(وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) لما كان وقت الهناء شرّف بالتصريح باسمه في النداء فقيل ويا آدم اسكن وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه ولم يصرّح باسمه والظاهر أنه تعالى كلمهما بلا واسطة ويدلّ على أن الله كلم آدم ما في تاريخ ابن أبي خيثمة أنه عليهالسلام سئل عن آدم فقال : نبيّ مكلم ، وقال الجمهور : إنّ النداء كان بواسطة الوحي ويؤيده أنّ موسى عليهالسلام هو الذي خصّ من بين العالم بالكلام وفي حديث الشفاعة أنهم يقولون له أنت الذي خصّك الله بكلامه وقد يقال : إنه خصه بكلامه وهو في الأرض وأما آدم فكان ذلك له في الجنة وقد تقدّم لنا في قوله منهم من كلم الله إنّ منهم محمدا كلّمه الله ليلة الإسراء ولم يكلمه في الأرض فيكون موسى مختصّا بكلامه في الأرض ، وقيل : النداء لآدم على الحقيقة ولم يرو قط أنّ الله كلم حواء والنداء هو دعاء الشّخص باسمه العلم أو بنوعه أو بوصفه ولم يصرّح هنا بشيء من ذلك والجملة معمولة لقول محذوف أي قائلا : ألم أنهكما وهو استفهام معناه العتاب على ما صدر منهما والتنبيه على موضع الغفلة في قوله (تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) و (لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) إشارة لطيفة حيث كان مباحا له الأكل قارا ساكنا أشير إلى الشجرة باللفظ الدّال على القرب والتمكّن من الأشجار فقيل : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) وحيث كان تعاطى مخالفة النهي وقرب إخراجه من الجنة واضطراب حاله فيها وفرّ على وجهه فيها قيل : ألم أنهكما عن تلكما فأشير إلى الشجرة باللفظ الدّال على البعد والإنذار بالخروج منها (وَأَقُلْ لَكُما) إشارة إلى قوله تعالى : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (١) وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يحمل النسيان على بابه. قال ابن عباس بين العداوة حيث أبى السّجود وقال (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) روي أنه تعالى قال لآدم : ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة فقال بلى وعزّتك ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف كاذبا قال فو عزّتي لأهبطنّك إلى الأرض ثم لا تنال إلا كدّا فاهبط وعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد ودرس وذر وعجن وخبز ، وقرأ أبيّ ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما.
(قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) قال الزمخشري وسمّيا ذنبهما وإن كان صغيرا مغفورا ظلما وقالا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) على عادة الأولياء والصالحين في استعظامهم الصغير من السيئات ، وقال ابن عطية اعتراف من
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١١٧.