ومحله الرفع (وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ) معطوف على (وَلِيُبْلِيَ) يعني أنّ الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين انتهى ، وقال ابن عطية (ذلِكُمْ) إشارة إلى ما تقدم من قتل الله ورميه إياهم وموضع ذلك من الإعراب رفع قال سيبويه : التقدير الأمر (ذلِكُمْ) ، وقال بعض النحويين يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير فعل ذلك (وَأَنَ) معطوف على (ذلِكُمْ) ويحتمل أن يكون خبر مبتدأ مقدّر تقديره وحتم وسابق وثابت ونحو هذا انتهى ، وقال الحوفي (ذلِكُمْ) رفع بالابتداء والخبر محذوف والتقدير ذلكم الأمر ويجوز أن يكون ذلكم الخبر والأمر الابتداء ويجوز أن يكون في موضع نصب تقديره فعلنا ذلكم والإشارة إلى القتل أو إلى إبلاء المؤمنين بلاء حسنا وفي فتح (أَنَ) وجهان النصب والرفع عطفا على (ذلِكُمْ) على حسب التقديرين أو على إضمار فعل تقديره واعلموا (أَنَّ اللهَ مُوهِنُ) انتهى ، وقرأ الحرميان وأبو عمرو (مُوهِنُ) من وهن والتعدية بالتضعيف فيما عينه حرف حلق غير الهمزة قليل نحو ضعفت ووهنت وبابه أن يعدى بالهمزة نحو أذهلته وأوهنته وألحمته ، وقرأ باقي السبعة والحسن وأبو رجاء والأعمش وابن محيصن من أوهن وأضافه حفص.
(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) تقدّم ذكر المؤمنين والكافرين وسبق الخطاب للمؤمنين بقوله (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) وبقوله (ذلِكُمْ) فحمله قوم على أنه خطاب للمؤمنين ويؤيده قوله (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) إذ لا يليق هذا الخطاب إلا بالمؤمنين على إرادة النصر بالاستفتاح وأنّ حمله على البيان والحكم ناسب أن يكون خطابا للكفار والمؤمنين فإذا كان خطابا للمؤمنين فالمعنى أن تستنصروا فقد جاءكم النصر (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن مثل ما فعلتموه في الغنائم والأسرى قبل الإذن (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا) إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم كما قال (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) (١) الآية ثم أعلمهم أنّ الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله ومعونته ثم آنسهم بإخباره أنه تعالى مع المؤمنين.
وقال الأكثرون هي خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم وذلك أنه حين أرادوا أن ينفروا تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أقرانا للضيف وأوصلنا للرحم وأفكّنا للعاني إن كان محمد على حقّ فانصره وإن كنا على حقّ فانصرنا ، وروي أنهم قالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين ، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر :
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٦٨.