معلومات الله على أربعة أقسام. أحدها : جملة الموجودات ، الثاني : جملة المعدومات ، الثالث : إن كان كل واحد من الموجودات لو كان معدوما فكيف حاله ، الرابع : إن كان كلّ واحد من المعدومات لو كان موجودا فكيف حاله فالقسمان الأولان علم بالواقع والقسمان الثانيان علم بالمقدور الذي هو غير واقع فقوله (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) من القسم الثاني وهو العلم بالمقدورات وليس من أقسام العلم بالواقعات ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن المنافقين (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ... وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) (١) فقال تعالى (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٢) فعلم الله تعالى في المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله وأيضا قوله (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٣) أخبر عن المعدوم أنه لو كان موجودا كيف يكون حاله انتهى. وأقول : ظاهر هاتين الملازمتين يحتاج إلى تأويل لأنه أخبر أنه كان يقع إسماع منه لهم على تقدير علمه خيرا فيهم ثم أخبر أنه كان يقع توليهم على تقدير إسماعهم إياهم فأنتج أنه كان يقع توليهم على تقدير علمه تعالى خيرا فيهم وذلك بحرف الواسطة لأنّ المرتب على شيء يكون مرتّبا على ما رتب عليه ذلك الشيء وهذا لا يكون لأنه لا يقع التولّي على تقدير علمه فيهم خيرا ويصير الكلام في الجملتين في تقدير كلام واحد فيكون التقدير ولو علم الله فيهم خيرا فأسمعهم لتولّوا ومعلوم أنه لو علم فيهم خيرا ما تولّوا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) تقدم الكلام في استجاب في (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) وأفرد الضمير في (دَعاكُمْ) كما أفرده في (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) لأنّ ذكر أحدهما مع الآخر إنما هو على سبيل التوكيد والاستجابة هنا الامتثال والدعاء بمعنى التحريض والبعث على ما فيه حياتهم وظاهر (اسْتَجِيبُوا) الوجوب ، ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم : لأبيّ حين دعاه وهو في الصلاة متلبث : «ما منعك عن الاستجابة ألم تخبر فيما أوحي إليّ استجيبوا الله وللرسول»؟ والظاهر تعلق (لِما) بقوله (دَعاكُمْ) ودعا يتعدى باللام. قال :
دعوت لما نابني مسورا
وقال آخر :
وإن أدع للجلي أكن من حماتها
__________________
(١) سورة الحشر : ٥٩ / ١١.
(٢) سورة الحشر : ٥٩ / ١٢.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٢٨.