والظاهر أنّ (ما) موصولة بمعنى الذي وهي اسم أن وكتبت أن متصلة بما وكان القياس أن تكتب مفصولة كما كتبوا (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) (١) مفصولة وخبر أن هو قوله : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) وإن لله في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فالحكم إن لله ودخلت الفاء في هذه الجملة الواقعة خبرا لأن ، كما دخلت في خبر أن في قوله (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) (٢) وقال الزمخشري : (فَأَنَّ لِلَّهِ) مبتدأ خبره محذوف تقديره حقّ أو فواجب أن لله خمسه انتهى ، وهذا التقدير الثاني الذي هو أو فواجب أن لله خمسه تكون أن ومعمولاها في موضع مبتدأ خبره محذوف وهو قوله فواجب وأجاز الفرّاء أن تكون ما شرطية منصوبة بغنمتم واسم أن ضمير الشأن محذوف تقديره أنه وحذف هذا الضمير مع أنّ المشددة مخصوص عند سيبويه بالشعر.
وروى الجعفي عن هارون عن أبي عمرو (فَأَنَّ لِلَّهِ) بكسر الهمزة ، وحكاها ابن عطية عن الجعفي عن أبي بكر عن عاصم ، ويقوّي هذه القراءة قراءة النخعي فلله خمسه ، وقرأ الحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو : (خُمُسَهُ) بسكون الميم ، وقرأ النخعي (خُمُسَهُ) بكسر الخاء على الاتباع يعني اتباع حركة الخاء لحركة ما قبلها كقراءة من قرأ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٣) بكسر الحاء اتباعا لحركة التاء ولم يعتد بالساكن لأنه ساكن غير حصين ، وانظر إلى حسن هذا التركيب كيف أفرد كينونة الخمس لله وفصل بين اسمه تعالى وبين المعاطيف بقوله (خُمُسَهُ) ليظهر استبداده تعالى بكينونة الخمس له ثم أشرك المعاطيف معه على سبيل التبعية له ولم يأت التركيب (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) خمسه ، وجواب الشرط محذوف أي (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرّب به ولا يراد مجرد العلم بل العلم والعمل بمقتضاه ولذلك قدّره بعضهم (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) فاقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وأبعد من ذهب إلى أن الشرط متعلق معناه بقوله فنعم المولى ونعم النصير والتقدير فاعلموا أنّ الله مولاكم (وَما أَنْزَلْنا) معطوف على (بِاللهِ).
و (يَوْمَ الْفُرْقانِ) يوم بدر بلا خلاف فرق فيه بين الحق والباطل و (الْجَمْعانِ) جمع المؤمنين وجمع الكافرين قتل فيها صناديد قريش نصّ عليه ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن وقتادة وكانت يوم الجمعة سابع عشر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٣٤.
(٢) سورة البروج : ٨٥ / ١٠.
(٣) سورة الذاريات : ٥١ / ٧.