والكافرين ، وقيل فئة المؤمنين وفئة الملائكة (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) رجع في ضد إقباله وقال : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) مبالغة في الخذلان والانفصال عنهم لم يكتف بالفعل حتى أكد ذلك بالقول (ما لا تَرَوْنَ) رأي خرق العادة ونزول الملائكة (إِنِّي أَخافُ اللهَ) ، قال قتادة وابن الكلبي معذرة كاذبة لم يخف الله قط ، وقال الزجاج وغيره : بل خاف مما رأى من الهول إنه يكون اليوم الذي أنظر إليه انتهى وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) (١) ويحتمل أنّ يكون (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) معطوفا على معمول القول قال ذلك بسطا لعذره عندهم وهو متحقق أنّ عذاب الله شديد ويحتمل أن يكون من كلام الله استأنف تهديدا لإبليس ومن تابعه من مشركي قريش.
(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) ، العامل في (إِذْ زَيَّنَ) أو (نَكَصَ) أو (لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) أو (اذْكُرُوا) أقوال وظاهر العطف التغاير. فقيل (الْمُنافِقُونَ) هم من الأوس والخزرج لما خرج الرسول صلىاللهعليهوسلم قال بعضهم : نخرج معه ، وقال بعضهم : لا نخرج (غَرَّ هؤُلاءِ) أي المؤمنين (دِينُهُمْ) فإنهم يزعمون أنهم على حق وأنهم لا يغلبون هذا معنى قول ابن عباس ، (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قوم أسلموا ومنهم أقرباؤهم من الهجرة فأخرجتهم قريش معها كرها فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا وقالوا (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) فقتلوا جميعا ، منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن زمعة بن الأسود وعلي بن أمية والعاصي بن منبه بن الحجاج ولم يذكر أنّ منافقا شهد بدرا مع المسلمين إلا معتب بن قشير فإنه ظهر منه يوم أحد قوله : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) (٢) ، وقيل (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هو من عطف الصّفات وهي لموصوف واحد وصفوا بالنفاق وهو إظهار ما يخفيه من المرض كما قال تعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهم منافقو المدينة ، وعن الحسن هم المشركون ويبعد هذا إذ لا يتّصف المشركون بالنفاق لأنهم مجاهرون بالعداوة لا منافقون ، وقال ابن عطية ، قال المفسّرون : إنّ هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلّة عددهم قالوا مشيرين إلى المسلمين (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) أي اغترّوا فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به وكنّى بالقلوب عن العقائد والمرض أعمّ من النفاق إذ يطلق مرض القلب على الكفر.
__________________
(١) سورة الحشر : ٥٩ / ١٦.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٥٤.