العذاب بسبب كفركم وبسبب أنّ الله لا يظلمكم إذ أنتم مستحقّون العذاب فتعذيبكم عدل منه وتقدّم تفسير هذه الجملة في أواخر سورة آل عمران.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) تقدّم تفسير نظير هذه الآية في أوائل سورة آل عمران.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (ذلِكَ) مبتدأ وخبره (بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ) أي ذلك العذاب أو الانتقام بسبب كذا وظاهر النعمة أنه يراد به ما يكونون فيه من سعة الحال والرفاهية والعزّة والأمن والخصب وكثرة الأولاد والتغيير قد يكون بإزالة الذات وقد يكون بإزالة الصفات فقد تكون النعمة أذهبت رأسا وقد تكون قلّلت وأضعفت ، وقال القاضي أنعم الله عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع وتسهيل السبيل والمقصود أن يشتغلوا بالعبادة والشكر ويعدلوا عن الكفر فإذا صرفوا هذه الأمور إلى الكفر والفسق فقد غيّروا أنعم الله على أنفسهم فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم والمنح بالمحن وهذا من أوكد ما يدلّ على أنه تعالى لا يبتدىء أحدا بالعذاب والمضرّة وأنّ الذي يفعله لا يكون إلا جزاء على معاص سلفت ولو كان تعالى خلقهم وخلق حياتهم وعقولهم ابتداء للنار كما يقوله القوم لما صحّ ذلك انتهى.
قيل : وظاهر الآية يدلّ على ما قاله القاضي إلا أنه يمكن الحمل على الظاهر لأنه يلزم من ذلك أن يكون صفة الله معلّلة بفعل الإنسان ومتأثرة له وذلك محال في بديهة العقل وقد قام الدليل على أنّ حكمه وقضاءه سابق أوّلا فلا يمكن أن يكون فعل إلا بقضائه وإرادته. وقيل أشار بالنعمة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم بعثه رحمة فكذّبوه فبدّل الله ما كانوا فيه من النعمة بالنقمة في الدنيا وبالعقاب في الآخرة قاله السدّي والظاهر من قوله (عَلى قَوْمٍ) العموم في كل من أنعم الله عليه من مسلم وكافر وبرّ وفاجر وأنه تعالى متى أنعم على أحد فلم يشكر بدّله عنها بالنقمة ، وقيل القوم هنا قريش أنعم الله تعالى عليهم ليشكروا ويفردوه بالعبادة فجحدوا وأشركوا في ألوهيته وبعث إليهم الرسول صلىاللهعليهوسلم فكذّبوه فلما غيروا ما اقتضته نعمة وحدّثتهم أنفسهم بأنّ تلك النّعم من قبل أوثانهم وأصنامهم غير تعالى عليهم بنقمة في الدنيا وأعدّ لهم العذاب في العقبى ، وقال ابن عطية : ومثال هذا نعمة الله على قريش بمحمد صلىاللهعليهوسلم فكفروا وغيّروا ما كان يجب أن يكونوا عليه فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحلّ بهم عقوبته انتهى. وتغيير آل فرعون ومشركي مكة ومن يجري