من الذنوب اعتذروا والتقدير وطلبوا بحجة على ارتكابها قالوا : آباؤنا كانوا يفعلونها فنحن نقتدي بهم والله أمرنا بها ، كانوا يقولون لو كره الله منّا ما نفعله لنقلنا عنه والإخبار الأوّل يتضمّن التقليد لآبائهم والتقليد باطل إذ ليس طريقا للعلم ، والإخبار الثاني افتراء على الله تعالى ، قال ابن عطية والفاحشة وإن كان اللفظ عاما هي كشف العورة في الطواف ، فقد روي عن الزهري أنه قال : في ذلك نزلت هذه الآيات ، وقاله ابن عباس ومجاهد انتهى ، وبه قال زيد بن أسلم والسّدي ، وقال الحسن وعطاء والزجاج : الفاحشة هنا الشرك ، وقيل : البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، وقيل : الكبائر والظاهر من قوله (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) أنه إخبار مستأنف عن هؤلاء الكفار بما كانوا يقولون إذا ارتكبوا الفواحش ، وقال ابن عطية : وإذا فعلوا وما بعده داخل في صلة (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ليقع التوبيخ بصفة قوم قد جعلوا أمثالا للمؤمنين إذا شبّه فعلهم فعل الممثل بهم ، وقال الزمخشري : وعن الحسن أنّ الله تعالى بعث محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على الله تعالى وتصديقه قول الله عزوجل (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) ، انتهت حكايته عن الحسن ولعلها لا تصحّ عن الحسن وانظر إلى دسيسة الزمخشري في قوله وهم قدرية فإنّ أهل السنة يجعلون المعتزلة هم القدرية فعكس هو عليهم وجعلهم هم القدرية حتى إن ما جاء من الذّم للقدرية يكون لهم وهذه النسبة من حيث العربية هي أليق بمن أثبت القدر لا بمن نفاه ، وقول أهل السنة في المعتزلة أنهم قدرية معناه أنهم ينفون القدر ويزعمون أنّ الأمر آنف وذلك شبيه بما يقول بعضهم في داود الظاهري أنه القياسي ومعناه نافي القياس.
(قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) أي بفعل الفحشاء وإنما لم يرد التقليد لظهور بطلانه لكلّ أحد للزومه الأخذ بالمتناقضات وأبطل تعالى دعواهم أنّ الله أمر بها إذ مدرك ذلك إنما هو الوحي على لسان الرسل والأنبياء ولم يقع ذلك ، وقال الزمخشري : لأن فعل القبيح مستحيل عليه لعدم الداعي ووجود الصارف فكيف يأمر بفعله.
(أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) إنكار لإضافتهم القبيح إليه وشهادة على أنّ مبني أمرهم على الجهل المفرط انتهى ، وهو على طريقة المعتزلة ، وقال ابن عطية : وبّخهم على كذبهم ووقفهم على ما لا علم لهم به ولا رواية لهم فيه بل هي دعوى واختلاق.
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا