وصدّقتم لمسّكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة ، وقال الزمخشري : لو لا حكم منه تعالى سبق إثباته في اللوح وهو أن لا يعاقب أحدا بخطأ وكان هذا خطأ في الاجتهاد لأنهم نظروا في أنّ استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم وأنّ فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله وخفي عنهم أن قتلهم أعزّ للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفلّ لشوكتهم انتهى. وروي لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر وفي حديث آخر وسعد بن معاذ وذلك أن رأيهما كان أن تقتل الأسارى. والذي أقوله إنهم كانوا مأمورين أوّلا بقتل الكفار في غير ما آية كقوله (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) (٢) فلما كانت وقعة بدر وأسروا جماعة من المشركين اختلفوا في أخذ الفداء منهم وفي قتلهم فعوتب من رأى الفداء إذ كان قد تقدّم الأمر بالقتل حيث لم يستصحبوا امتثال الأمر ومالوا إلى الفداء وحرصوا على تحصيل المال ألا ترى إلى قول المقداد حين أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بقتل عقبة بن أبي معيط قال : أسيري يا رسول الله ، وقول مصعب بن عمير لمن أسر أخاه : شدّ يدك عليه فإن له أما مؤسرة ، ثم بعد هذه المعاتبة أمر الرسول بقتل بعض والمنّ بالإطلاق في بعض والفداء في بعض فكان ذلك نسخا لتحتّم القتل ، ثم قال تعالى : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) في تأييدكم ونصركم وقهركم أعداءكم حتى استوليتم عليهم قتلا وأسرا ونهبا على قلّة عددكم وعددكم (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ) من غنائمهم وفدائهم عذاب عظيم منهم لكونهم كانوا أكثر عددا منكم وعددا ولكنه سهل تعالى عليكم ولم يمسّكم منهم عذاب لا يقتل ولا أسر ولا نهب وذلك بالحكم السابق في قضائه أنه يسلّطكم عليهم ولا يسلّطهم عليكم فليس المعنى لمسكم من الله وإنما المعنى لمسكم من أعدائكم كما قال : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) (٣). قال : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ) (٤).
ثم قال تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) أي مما غنمتم ومنه ما حصل بالفداء الذي أقره الرسول صلىاللهعليهوسلم وقال لا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق وليس هذا الأمر منشأ لإباحة الغنائم إذ قد سبق تحليلها قبل يوم بدر ولكنه أمر يفيد التوكيد واندراج مال الفداء في عموم ما غنمتم إذ كان قد وقع العتاب في الميل للفداء ثم أقرّه الرسول وانتصب (حَلالاً) على الحال من ما إن كانت موصولة أو من ضميره المحذوف أو على أنه نعت لمصدر محذوف أي أكلا حلالا وجوّزوا في ما أن تكون مصدرية وروي أنهم أمسكوا عن
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٨٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٩١.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٠.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٠٤.