أوثقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهدا عاما على أنّ لا يصدّ أحد عن البيت الحرام ونحو هذا من الموادعات ، فنقض ذلك بهذه الآية ، وأحل لجميعهم أربعة أشهر ، فمن كان له مع الرسول عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة أبلغ به تمامها ، ومن كان أمده أكثر أتمّ له عهده ، وإذا كان ممن يحتبس منه نقض العهد قصر على أربعة أشهر ، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة يسيح في الأرض أي : يذهب فيها مسرحا آمنا. وظاهر لفظة من المشركين العموم ، فكل من عاهده المسلمون داخل فيه من مشركي مكة وغيرهم.
وروي أنهم نكثوا إلّا بني ضمرة وكنانة فنبذ العهد إلى الناكثين. وقال مقاتل : المراد بالمشركين هنا ثلاث قبائل من العرب : خزاعة ، وبنو مدلج ، وبنو خزيمة. وقيل : هذه الآية في أهل مكة ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم صالح قريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ، فدخلت خزاعة في عهد الرسول ، وبنو بكر بن عبد مناة في عهد قريش ، وكان لبني الديل من بني بكر دم عند خزاعة فاغتنموا الفرصة وغفلة خزاعة ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي فيمن أطاعه من بني بكر وبيتوا خزاعة فاقتتلوا ، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح ، وقوم أعانوهم بأنفسهم ، فهزمت خزاعة إلى الحرم ، فكان ذلك نقضا لصلح الحديبية ، فخرج من خزاعة بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم في ناس من قومهم ، فقدموا على الرسول صلىاللهعليهوسلم مستغيثين ، وأنشده عمرو فقال :
يا رب إني ناشد محمدا |
|
حلف أبينا وأبيه الأتلدا |
كنت لنا أبا وكنا ولدا |
|
ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا |
فانصر هداك الله نصرا عبدا |
|
وادع عباد الله يأتوا مددا |
فيهم رسول الله قد تجردا |
|
أبيض مثل الشمس ينمو صعدا |
إن سيم خسفا وجهه تربدا |
|
في فيلق كالبحر يجري مزبدا |
إن قريشا أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكدا |
وزعموا أن لست تدعو أحدا |
|
وهم أذل وأقل عددا |
|
||
هم بيتونا الحطيم هجدا |
|
وقتلونا ركعا وسجدا |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا نصرت إن لم أنصركم» فتجهز إلى مكة وفتحها سنة ثمان ، ثم خرج إلى غزوة تبوك وتخلف من تخلف من المنافقين وأرجفوا الأراجيف ، فجعل المشركون ينقضون عهودهم ، فأمره الله تعالى بإلقاء عهدهم إليهم ، وأذن في الحرب.