وفي الآية إضمار ، أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر والنكث؟ انتهى.
والاستفهام يراد به النفي كثيرا ، ومنه قول الشاعر :
فها ذي سيوف يا هدى بن مالك |
|
كثير ولكن ليس بالسيف ضارب |
أي ليس بالسيف ضارب. ولما كان الاستفهام معناه النفي ، صلح مجيء الاستثناء وهو متصل. وقيل : منقطع ، أي لكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام. قال الحوفي : ويجوز أن يكون الذين في موضع خبر على البدل من المشركين ، لأن معنى ما تقدم النفي ، أي : ليس يكون للمشركين عهد إلا الذين لم ينكثوا. قال ابن عباس : هم قريش. وقال السدي : بنو جذيمة بن الديل. وقال ابن إسحاق : قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين الرسول صلىاللهعليهوسلم وقريش. وقال الزمخشري : كبني كنانة وبني ضمرة. وقال قوم منهم مجاهد : هم خزاعة ورد بإسلامهم عام الفتح. وقال ابن زيد : هم قريش نزلت فلم يستقيموا ، فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك. وضعف هذا القول بأنّ قريشا بعد الأذان بأربعة أشهر لم يكن فيهم إلا مسلم ، وذلك بعد فتح مكة بسنة ، وكذلك خزاعة قاله الطبري. فما استقاموا لكم على العهد فاستقيموا لهم على الوفاء.
وجوز أبو البقاء أن يكون خبر يكون كيف ، لقوله : كيف كان عاقبة مكرهم ، وأن يكون الخبر للمشركين. وعند على هذين ظرف للعهد ، أو ليكون ، أو للحال ، أو هي وصف للعهد. وأن يكون الخبر عند الله ، وللمشركين تبيين ، أو متعلق بيكون ، وكيف حال من العهد انتهى. والظاهر أنّ ما مصدرية ظرفية ، أي : استقيموا لهم مدة استقامتهم ، وليست شرطية. وقال أبو البقاء : هي شرطية كقوله : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) (١) انتهى. فكان التقدير : ما استقاموا لكم من زمان فاستقيموا لهم. وقال الحوفي : ما شرط في موضع رفع بالابتداء ، والخبر استقاموا ، ولكم متعلق باستقاموا ، فاستقيموا لهم الفاء جواب الشرط انتهى. فكان التقدير فأي : وقت استقاموا فيه لكم فاستقيموا لهم. وإنما جوز أن تكون شرطية لوجود الفاء في فاستقيموا ، لأن المصدرية الزمانية لا تحتاج إلى الفاء. وقد أجاز ابن مالك في المصدرية الزمانية أن تكون شرطية وتجزم ، وأنشد على ذلك ما يدل ظاهره على صحة دعواه. وقد ذكرنا ذلك في كتاب التكميل ، وتأولنا ما استشهد به. فعلى قوله تكون زمانية شرطية : أنّ الله يحب المتقين ، يعني أن الوفاء بالعهد من أخلاق المتقين ،
__________________
(١) سورة فاطر : ٣٥ / ٢.