لا يترتب على المستقبل ، فالذي يظهر الوجه الأول. ومعنى إخراج الذين كفروا إياه : فعلهم به ما يؤدي إلى الخروج ، والإشارة إلى خروج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة. ونسب الإخراج إليهم مجازا ، كما نسب في قوله : (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) (١) وقصة خروج الرسول صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر مذكورة في السير. وانتصب ثاني اثنين على الحال أي : أحد اثنين وهما : رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبو بكر رضياللهعنه.
وروي أنه لما أمر بالخروج قال لجبريل عليهالسلام : «من يخرج معي؟» قال : أبو بكر. وقال الليث : ما صحب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل أبي بكر. وقال سفيان بن عيينة : خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله : ألا تنصروه. قال ابن عطية : بل خرج منها كل من شاهد غزوة تبوك ، وإنما المعاتبة لمن تخلف فقط ، وهذه الآية منوهة بقدر أبي بكر وتقدمه وسابقته في الإسلام. وفي هذه الآية ترغيبهم في الجهاد ونصرة دين الله ، إذ بين فيها أنّ الله ينصره كما نصره ، إذ كان في الغار وليس معه فيه أحد سوى أبي بكر. وقرأت فرقة : ثاني اثنين بسكون ياء ثاني. قال ابن جني : حكاها أبو عمرو ، ووجهه أنه سكن الياء تشبيها لها بالألف. والغار : نقب في أعلى ثور ، وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة ، مكث فيه ثلاثا. إذ هما : بدل. وإذ يقول : بدل ثان. وقال العلماء : من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر لإنكاره كلام الله تعالى ، وليس ذلك لسائر الصحابة. وكان سبب حزن أبي بكر خوفه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنهاه الرسول تسكينا لقلبه ، وأخبره بقوله : إن الله معنا ، يعني : بالمعونة والنصر. وقال أبو بكر : يا رسول الله إن قتلت فأنا رجل واحد ، وإن قتلت هلكت الأمة وذهب دين الله ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» وقال أبو بكر رضياللهعنه :
قال النبي ولم يجزع يوقرني |
|
ونحن في سدف من ظلمة الغار |
لا تخش شيئا فإن الله ثالثنا |
|
وقد تكفل لي منه بإظهار |
وإنما كيد من تخشى بوارده |
|
كيد الشياطين قد كادت لكفار |
والله مهلكهم طرا بما صنعوا |
|
وجاعل المنتهى منهم إلى النار |
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال ابن عباس : السكينة الرحمة. وقال قتادة في
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ١٣.