دعوا إليه غنما قريبا سهل المنال ، وسفرا قاصدا وسطا مقاربا. وهذه الآية في قصة تبوك حين استنفر المؤمنين فنفروا ، واعتذر منهم فريق لأصحابه ، لا سيما من القبائل المجاورة للمدينة. وليس قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ) (١) خطابا للمنافقين خاصة ، بل هو عام. واعتذر المنافقون بأعذار كاذبة ، فابتدأ تعالى بذكر المنافقين وكشف ضمائرهم. لا تبعوك : لبادروا إليه ، لا لوجه الله ، ولا لظهور كلمته ، ولكن بعدت عليهم الشقة أي : المسافة الطويلة في غزو الرّوم. والشّقة بالضم من الثياب ، والشقة أيضا السفر البعيد ، وربما قالوه بالكسر قاله : الجوهري. وقال الزجاج : الشقة الغاية التي تقصد. وقال ابن عيسى : الشقة القطعة من الأرض يشق ركوبها. وقال ابن فارس : الشقة المسير إلى أرض بعيدة ، واشتقاقها من الشق ، أو من المشقة. وقرأ عيسى بن عمر : بعدت عليهم الشّقة بكسر العين والشين ، وافقه الأعرج في بعدت. وقال أبو حاتم : إنها لغة بني تميم في اللفظين انتهى. وحكى الكسائي : شقة وشقة. وسيحلفون : أي المنافقون ، وهذا إخبار بغيب. قال الزمخشري في قوله : وسيحلفون بالله ، ما نصه بالله متعلق بسيحلفون ، أو هو من كلامهم. والقول مراد في الوجهين أي : سيحلفون متخلصين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين ، يقولون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ، أو وسيحلفون بالله يقولون لو استطعنا. وقوله : لخرجنا سدّ مسدّ جواب القسم. ولو جميعا والإخبار بما سوف يكون بعد القول من حلفهم واعتذارهم ، وقد كان من جملة المعجزات. ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة ، واستطاعة الأبدان ، كأنهم تمارضوا انتهى. وما ذهب إليه من أنّ قوله : لخرجنا ، سدّ مسدّ جواب القسم. ولو جميعا ليس بجيد ، بل للنحويين في هذا مذهبان : أحدهما : إن لخرجنا هو جواب القسم ، وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم على الشرط ، وهذا اختيار أبي الحسن بن عصفور. والآخران لخرجنا هو جواب لو ، وجواب القسم هو لو وجوابها ، وهذا اختيار ابن مالك. إن لخرجنا يسد مسدهما ، فلا أعلم أحدا ذهب إلى ذلك. ويحتمل أن يتأوّل كلامه على أنه لما حذف جواب لو ، ودل عليه جواب القسم جعل ، كأنه سدّ مسدّ جواب القسم وجواب لو جميعا.
وقرأ الأعمش وزيد بن علي : لو استطعنا بضم الواو ، فرّ من ثقل الكسرة على الواو وشبهها بواو الجمع عند تحريكها لالتقاء الساكنين. وقرأ الحسن : بفتحها كما جاء :
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٨.