تحصيل العدّة والأهبة. وروى الضحاك عن ابن عباس : العدّة النية الخالصة في الجهاد. وحكى الطبري : كل ما يعد للقتال من الزاد والسلاح. وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية : عدّ بضم العين من غير تاء ، والفراء يقول : تسقط التاء للإضافة ، وجعل من ذلك وإقام الصلاة أي وإقامة الصلاة. وورد ذلك في عدة أبيات من لسان العرب ، ولكن لا يقيس ذلك ، إنما نقف فيه مع مورد السماع. قال صاحب اللوامح : لما أضاف جعل الكناية تائبة عن التاء فأسقطها ، وذلك لأنّ العد بغير تاء ، ولا تقديرها هو البثر الذي يخرج في الوجه. وقال أبو حاتم : هو جمع عدة كبرة وبر ودرة ودر ، والوجه فيه عدد ، ولكن لا يوافق خط المصحف. وقرأ ذر بن حبيش وإبان عن عاصم : عده بكسر العين ، وهاء إضمار. قال ابن عطية : وهو عندي اسم لما يعد كالذبح والقتل للعد ، وسمي قتلا إذ حقه أن يقتل. وقرىء أيضا : عدة بكسر العين ، وبالتاء دون إضافة أي : عدة من الزاد والسلاح ، أو مما لهم مأخوذ من العدد. ولما تضمنت الجملة انتفاء الخروج والاستعداد ، وجاء بعدها ولكن ، وكانت لا تقع إلا بين نقيضين أو ضدين أو خلافين على خلاف فيه ، لا بين متفقين ، وكان ظاهر ما بعد لكن موافقا لما قبلها.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف موقع حرف الاستدراك؟ (قلت) : لما كان قوله : ولو أرادوا الخروج معطيا معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو. قيل : ولكن كره الله انبعاثهم ، كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم ، كما تقول : ما أحسن إليّ زيد ولكن أساء إليّ انتهى. وليست الآية نظير هذا المثال ، لأنّ المثال واقع فيه لكن بين ضدين ، والآية واقع فيها لكن بين متفقين من جهة المعنى ، والانبعاث الانطلاق والنهوض. قال ابن عباس : فثبطهم كسلهم وفتر نياتهم. وبنى وقيل للمفعول ، فاحتمل أن يكون القول : أذن الرسول لهم في القعود ، أو قول بعضهم لبعض إما لفظا وإما معنى ، أو حكاية عن قول الله في سابق قضائه. وقال الزمخشري : جعل إلقاء الله تعالى في قلوبهم كراهة الخروج أمرا بالقعود. وقيل : هو من قول الشيطان بالوسوسة. قال : (فإن قلت) : كيف جاز أن يوقع الله تعالى في نفوسهم كراهة الخروج إلى الغزو وهي قبيحة ، وتعالى الله عن إلهام القبيح. (قلت) : خروجهم كان مفسدة لقوله تعالى : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) (١) فكان إيقاع كراهة ذلك الخروج في نفوسهم حسنا ومصلحة انتهى. وهذا
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٤٧.