وفي سبيل الله هو المجاهد يعطى منها إذا كان فقيرا. والجمهور على أنه يعطى منها وإن كان غنيا ما ينفق في غزوته. وقال الشافعي ، وأحمد ، وعيسى بن دينار ، وجماعة : لا يعطى الغني إلا إن احتاج في غزوته ، وغاب عنه وفره. وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يعطى إلا إذا كان فقيرا أو منقطعا به ، وإذا أعطي ملك ، وإن لم يصرفه في غزوته. وقال ابن عبد الحكم : ويجعل من الصدقة في الكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة ، لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته. والجمهور على أنه يجوز الصرف منها إلى الحجاج والمعتمرين وإن كانوا أغنياء. وقال الزمخشري : وفي سبيل الله فقراء الغزاة ، والحجيج المنقطع بهم انتهى.
والذي يقتضيه تعداد هذه الأوصاف أنها لا تتداخل ، واشتراط الفقر في بعضها يقضي بالتداخل. فإن كان الغازي أو الحاج شرط إعطائه الفقر ، فلا حاجة لذكره لأنه مندرج في عموم الفقراء ، بل كل من كان بوصف من هذه الأوصاف جاز الصرف إليه على أي حال كان من فقر أو غنى ، لأنه قام به الوصف الذي اقتضى الصرف إليه. قال ابن عطية : ولا يعطى منها في بناء مسجد ، ولا قنطرة ، ولا شراء مصحف انتهى.
وابن السبيل قال ابن عباس : هو عابر السبيل. وقال قتادة في آخرين : هو الضيف. وقال جماعة : هو المسافر المنقطع به وإن كان له مال في بلده. وقالت جماعة : هو إلحاح المنقطع. وقال الزجاج : هو الذي قطع عليه الطريق. وفي كتاب سحنون قال مالك : إذا وجد المسافر المنقطع به من يسلفه لم يجز له أن يأخذ من الصدقة ، والظاهر الصرف إليه. وإن كان له ما يغنيه في طريقه لأنه ابن سبيل ، والمشهور أنه إذا كان بهذا الوصف لا يعطى.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : لم عدل عن اللام إلى في في الأربعة الأخيرة؟ (قلت) : للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ، لأنّ في للوعاء ، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها ومصبا ، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر ، وفي فك الغارمين من الغرم من التخليص والإنقاذ ، ولجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر والعبادة ، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال. وتكرير في في قوله تعالى : وفي سبيل الله وابن السبيل ، فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين. (فإن قلت) : فكيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكائدهم؟ (قلت) : دل بكون هذه الأوصاف