ورسوله وصحة دينه أن يكون محادا لهما وليس ببعيد ، فإنه إذا استحكم الحسد نازع الحاسد في المحسوسات. وقيل : هو حذر أظهروه على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول يذكر أشياء وأنها عن الوحي وكانوا يكذبون بذلك ، فأخبر الله رسوله بذلك ، وأعلم أنه مظهر سرهم ، ويدل عليه قوله : قل استهزؤوا. وقال الزجاج وغيره ممن ذهب إلى التحرز من أن يكون كفرهم عنادا : هو مضارع في معنى الأمر أي : ليحذر المنافقون ، ويبعده مخرج ما تحذرون ، وأن تنزل مفعول يحذر ، وهو متعد. قال الشاعر :
حذر أمورا لا تضرّ وآمن |
|
ما ليس ينجيه من الأقدار |
وقال تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (١) لما كان قبل التضعيف متعديا إلى واحد ، عداه بالتضعيف إلى اثنين. وقال المبرد : حذر إنما هي من هيئات الأنفس التي لا تتعدى مثل فزع ، والتقدير : يحذر المنافقون من أن تنزل ، ولا يلزم ذلك : ألا ترى أنّ خاف من هيئات النفس وتتعدى؟ والظاهر أن قوله عليهم : وتنبئهم ، الضمير أنّ فيهما عائدان على المنافقين ، وجاء عليهم لأنّ السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم قاله : الكرماني ، والزمخشري. قال الكرماني : ويحتمل أنه من قولك : هذا عليك لا لك.
ومعنى تنبئهم بما في قلوبهم : تذيع أسرارهم حتى يسمعوها مذاعة منتشرة ، فكأنها تخبرهم بها. وقال الزمخشري : والضمير في عليهم وتنبئهم للمؤمنين ، وفي قلوبهم للمنافقين ، وصح ذلك لأنّ المعنى يعود إليه انتهى. والأمر بالاستهزاء أمر تهديد ووعيد كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٢) ومعنى مخرج ما تحذرون مبرز إلى حيز الوجود ، ما تحذرونه من إنزال السورة ، أو مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم. وفعل ذلك تعالى في هذه السورة فهي تسمى الفاضحة ، لأنها فضحت المنافقين. قيل : كانوا سبعين رجلا أنزل الله أسماءهم وأسماء آبائهم في القرآن ، ثم رفع ذلك ونسخ رحمة ورأفة منه على خلقه ، لأن أبناءهم كانوا مسلمين.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) : أي : ولئن سألتهم عما قالوا من القبيح في حقك وحق أصحابك من قول بعضهم : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح قصور الشام ، وقول بعضهم : كأنكم غدا في الجبال أسرى لبني الأصفر ، وقول بعضهم : ما رأيت كهؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكثر
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢٨.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٤٠.