ابن جني ، وأكثر الناس على خلافهما. وتسمية بعضهم التجريد ، جردوا بالذكر على سبيل التشريف ، وقد تقدم الكلام على ذلك في قوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (١). وقرأ ابن هرمز وجماعة : جهدهم بالفتح. فقيل : هما لغتان بمعنى واحد. وقال القتبي بالضم الطاقة ، وبالفتح المشقة. وقال الشعبي : بالضم القوت ، وبالفتح في العمل. وقيل : بالضم شيء قليل يعاش به. والأحسن في الإعراب أن يكون الذين يلمزون مبتدأ ، وفي الصدقات متعلق بيلمزون ، والذين لا يجدون معطوف على المطوعين ، كأنه قيل : يلمزون الأغنياء وغيرهم. وفيسخرون معطوف على يلمزون ، وسخر الله منهم وما بعده خبر عن الذين يلمزون. وذكر أبو البقاء أن قوله : والذين لا يجدون ، معطوف على الذين يلمزون ، وهذا غير ممكن ، لأن المعطوف على المبتدأ مشارك له في الخبر ، ولا يمكن مشاركة الذين لا يجدون إلا جهدهم مع الذين يلمزون إلا إن كانوا مثلهم نافقين. قال : وقيل : والذين لا يجدون معطوف على المؤمنين ، وهذا بعيد جدا. قال : وخبر الأول على هذه الوجوه فيه وجهان : أحدهما فيسخرون. ودخلت الفاء لما في الذين من التشبيه بالشرط انتهى هذا الوجه. وهذا بعيد ، لأنه إذ ذاك يكون الخبر كأنه مفهوم من المبتدأ ، لأنّ من عاب وغمز أحدا هو ساخر منه ، فقرب أن يكون مثل سيد الجارية مالكها ، وهو لا يجوز. قال : والثاني : أن الخبر سخر الله منهم ، قال : وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون الذين يلمزون في موضع نصب بفعل محذوف يفسره سخر ، تقديره عاب الذين يلمزون. وقيل : الخبر محذوف تقديره : منهم الذين يلمزون. وقال أبو البقاء أيضا : من المؤمنين حال من الضمير في المطوعين ، وفي الصدقات متعلق بيلمزون ، ولا يتعلق بالمطوعين لئلا يفصل بينهما بأجنبي انتهى. وليس بأجنبي لأنه حال كما قرر ، وإذا كان حالا جاز الفصل بها بين العامل فيها ، وبين المعمول أخر ، لذلك العامل نحو : جاءني الذي يمر راكبا بزيد. والسخرية : الاستهزاء. والظاهر أن قوله : سخر الله منهم خبر لفظا ومعنى ، ويرجحه عطف الخبر عليه. وقيل : صيغته خبر ، ومعناه الدعاء. ولما قال : فيسخرون منهم قال : سخر الله منهم على سبيل المقابلة ، ومعناه : أمهلهم حتى ظنوا أنه أهملهم. قال ابن عباس : وكان هذا في الخروج إلى غزوة تبوك. وقيل : معنى سخر الله منهم جازاهم على سخريتهم ، وجزاء الشيء قد يسمى باسم الشيء كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٢) قال ابن عطية : تسمية للعقوبة باسم الذنب ، وهي عبارة عما حل بهم من المقت والذل في نفوسهم انتهى. وهو
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٨.
(٢) سورة الشورى : ٤٢ / ٤٠.