إقدامه على الاستغفار للمنافقين يجري مجرى إغرائهم بالإقدام على الذنب. الرابع : أنه إذا كان لا يجيبه بقي دعاء الرسول مردودا عند الله ، وذلك يوجب نقصان منصبه صلىاللهعليهوسلم. الخامس : أن هذا الدعاء لو كان مقبولا من الرسول لكان قليله مثل كثيره في حصول الإجابة ، فثبت أنّ المقصود من هذا الكلام أن القوم لما طلبوا منه أن يستغفر لهم منعه الله منه ، وليس المقصود من ذكر هذا العدد تحديد المنع ، بل هو كما يقول القائل : إن سأله حاجة لو سألتني سبعين مرة لم أقضها لك لا يريد بذلك أنه إذا زاد قضاها ، فكذا هاهنا. والذي يؤكد ذلك قوله تعالى في الآية : ذلك بأنهم كفروا. فبيّن أن العلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفار الرسول لهم ، وإن بلغ سبعين مرة ، هي كفرهم وفسقهم. وهذا المعنى قائم في الزيادة على السبعين ، فصار هذا القليل شاهدا بأن المراد إزالة الطمع أن ينفعهم استغفار الرسول مع إصرارهم على كفرهم ، ويؤكد : والله لا يهدي القوم الفاسقين. والمعنى : أن فسقهم مانع من الهداية ، فثبت أنّ الحق ما ذكرناه. وقال الأزهري في جماعة من أهل اللغة : السبعون هنا جمع السبعة المستعملة للكثرة ، لا السبعة التي فوق الستة انتهى. والعرب تستكثر في الآحاد بالسبعة ، وفي العشرات بالسبعين ، وفي المئين بسبعمائة. قال الزمخشري : والسبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثير. قال عليّ رضي الله تعالى عنه :
لأصبحن العاص وابن العاصي |
|
سبعين ألفا عاقدي النواصي |
قال ابن عطية : وأما تمثيله بالسبعين دون غيرها من الأعداد فلأنه عدد كثيرا ما يجيء غاية ومقنعا في الكثرة. ألا ترى إلى القوم الذين اختارهم موسى ، وإلى أصحاب العقبة؟ وقد قال بعض اللغويين : إنّ التصريف الذي يكون من السين والباء والعين شديد الأمر من ذلك السبعة ، فإنها عدد مقنع هي في السموات وفي الأرض ، وفي خلق الإنسان ، وفي بدنه ، وفي أعضائه التي بها يطيع الله ، وبها يعصيه ، وبها ترتيب أبواب جهنم فيما ذكر بعض الناس ، وهي : عيناه ، وأذناه ، وأسنانه ، وبطنه ، وفرجه ، ويداه ، ورجلاه. وفي سهام الميسر ، وفي الأقاليم ، وغير ذلك ومن ذلك السبع العبوس ، والعنبس ، ونحو هذا من القول انتهى واستدل القائلون بدليل الخطاب وأنّ التخصيص بالعدد يدل على أنّ الحكم فيما وراء ذلك بخلافه بما روي أنه قال : «والله لأزيدن على السبعين» ولم ينصرف حتى نزل : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (١) فكف عنه. قيل :
__________________
(١) سورة المنافقون : ٦٣ / ٦.