أسيئي بنا أو أحسبني لا ملومة
أي : لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أو لا تستغفر لهم ، ولا نلومك أحسنت إلينا أو أسأت. فإن قيل : متى يجوز نحو هذا؟ قلت : إذا دل الكلام عليه كما كان في قولك : غفر الله لزيد ورحمه (فإن قلت) : لم فعل ذلك؟ (قلت) : لنكتة وهي أنّ كثيرا كأنه يقول لعزة : امتحني لطف محلك عندي ، وقوة محبتي لك ، وعامليني بالإساءة والإحسان ، وانظري هل تتفاوت حالي معك مسيئة كنت أو محسنة. وفي معناه قول القائل :
أحول الذي إن قمت بالسيف عامدا |
|
لتضربه لم يستغشك في الودّ |
وكذلك المعنى أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم ، واستغفر لهم أو لا تستغفر لهم وانظر هل ترى خلافا بين حالي الاستغفار وتركه؟ انتهى. وقيل : هو أمر مبالغة في الإياس ومعناه : إنك لو طلبت الاستغفار لهم طلب المأمور ، أو تركته ترك المنهي عنه ، لم يغفر لهم. وقيل : معناه الإستواء أي : استغفارك لهم وترك الاستغفار سواء. (فإن قلت) : كيف جاز أن يستغفر لهم وقد أخبر أنهم كفروا؟ فالجواب قالوا من وجوه : أحدها : أن ذلك كان على سبيل التأليف ليخلص إيمان كثير منهم. وقد روي أنه لما استغفر لابن سلول وكساه ثوبه ، وصلى عليه ، أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب الرسول ، وكان رأس المنافقين وسيدهم. وقيل : فعل ذلك تطييبا لقلب ولده ومن أسلم منهم ، وهذا قريب مما قبله. وقيل : كان المؤمنون يسألون الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يستغفر لقومهم المنافقين في حياتهم رجاء أن يخلصوا في إيمانهم ، وبعد مماتهم رجاء الغفران ، فنهاه الله عن ذلك وأيأسهم منه ، وقد سأل عبد الله بن عبد الله الرسول أن يستغفر لأبيه رجاء أن يخفف عنه. وقيل : إنما استغفر لقوم منهم على ظاهر إسلامهم من غير أن يحقق خروجهم عن الإسلام ، ورد هذا القول بأنه تعالى أخبر بأنهم كفروا فلا يصح أن يقال إنه غير عالم بكفرهم. وقال أبو عبد الله الرازي : الأقرب في تعلق هذه الآية بما قبلها ما ذكره ابن عباس : أنّ الذين كانوا يلمزون هم الذين طلبوا الاستغفار ، ولا يجوز أن يكون الرسول صلىاللهعليهوسلم اشتغل بالاستغفار فنهاه عنه لوجوه : الأول : أن المنافق كافر ، وقد ظهر في شرعه عليهالسلام أن الاستغفار للكافر لا يجوز ، فلهذا السبب أمره الله تعالى بالاقتداء بإبراهيم عليهماالسلام إلا في قوله : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) وإذا كان هذا مشهورا في الشرع ، فكيف يجوز الإقدام عليه؟ الثاني : أنّ استغفار الغير للغير لا ينفعه إذا كان ذلك الغير مصرا على القبيح والمعصية. الثالث : أن