خلصت النية من صاحبها انتهى. وتقدم الكلام معه في دعواه أنّ السين تفيد تحقيق الوعد. وقرأ ورش : قربة بضم الراء ، وباقي السبعة بالسكون ، وهما لغتان. ولم يختلفوا في قربات أنه بالضم ، فإن كان جمع قربة فجاء الضم على الأصل في الوضع ، وإن كان جمع قربة بالسكون فجاء الضم اتباعا لما قبله ، كما قالوا : ظلمات في جمع ظلمة.
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) : قال أبو موسى الأشعري ، وابن المسيب ، وابن سيرين ، وقتادة : السابقون الأولون من صلى إلى القبلتين. وقال عطاء : من شهد بدرا قال : وحوّلت القبلة قبل بدر بشهرين. وقال الشعبي : من أدرك بيعة الرضوان ، بيعة الحديبية ما بين الهجرتين. ومن فسر السابقين بواحد كأبي بكر أو عليّ ، أو زيد بن حارثة ، أو خديجة بنت خويلد ، فقوله بعيد من لفظ الجمع ، وإنما يناسب ذلك في أول من أسلم. والظاهر أنّ السبق هو إلى الإسلام والإيمان. وقال ابن بحر : هم السابقون بالموت أو بالشهادة من المهاجرين والأنصار ، سبقوا إلى ثواب الله وحسن جزائه ، ومن المهاجرين والأنصار أي : ومن الأنصار وهم أهل بيعة العقبة أولا وكانوا سبعة نفر ، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين ، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير فعلمهم القرآن. قال ابن عطية : ولو قال قائل : إن السابقين الأولين هم جميع من هاجر إلى أن انقضت الهجرة ، لكان قولا يقتضيه اللفظ ، وتكون من لبيان الجنس. والذين اتبعوهم بإحسان هم سائر الصحابة ، ويدخل في هذا اللفظ التابعون ، وسائر الأمة لكن بشرط الإحسان. وقد لزم هذا الاسم الذي هو التابعون من رأى من رأى النبي صلىاللهعليهوسلم. وقال أبو عبد الله الرازي : الصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة والنصرة ، لأن في لفظ السابقين إجمالا ، ووصفهم بالمهاجرين والأنصار يوجب صرف ذلك إلى ما اتصف به وهي الهجرة والنصرة ، والسبق إلى الهجرة صفة عظيمة من حيث كونها شاقة على النفس ومخالفة للطبع ، فمن أقدم أولا صار قدوة لغيره فيها ، وكذلك السبق في النصرة فازوا بمنصب عظيم انتهى ملخصا.
ولما بين تعالى الصائل الأعراب المؤمنين المتصدقين ، وما أعد لهم من النعيم ، بين حال هؤلاء السابقين وما أعد لهم ، وشتان ما بين الإعدادين والثناءين ، هناك قال : (أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ) (١) وهنا (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) ، وهناك (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ) (٢) وهنا (وَأَعَدَّ لَهُمْ
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٩٩.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٩٩.