أدائه. وعن بمعنى من ، وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه ، وهذه تقول : لا صدقة إلا عن غنى ومن غنى ، وفعل ذلك فلان من أسره ونظره ، وعن أسره ونظره انتهى. وقيل : كلمة من وكلمة عن متقاربتان ، إلا أنّ عن تفيد البعد. فإذا قيل : جلس عن يمين الأمير أفاد أنه جلس في ذلك الجانب ، ولكن مع ضرب من البعد فيفيدها أنّ التائب يجب أن يعتقد في نفسه أنه بعيد عن قبول الله توبته بسبب ذلك الذنب ، فيحصل له انكسار العبد الذي طرده مولاه وبعده عن حضرته. فلفظة عن كالتنبيه على أنه لا بد من حصول هذا المعنى للتائب انتهى. والذي يظهر من موضوع عن أنها للمجاوزة. فإن قلت : أخذت العلم عن زيد فمعناه أنه جاوز إليك ، وإذا قلت : من زيد دل على ابتداء الغاية ، وأنه ابتداء أخذك إياه من زيد. وعن أبلغ لظهور الانتقال معه ، ولا يظهر مع من. وكأنهم لما جاوزت توبتهم عنهم إلى الله ، اتصف هو تعالى بالتوبة عليهم. ألا ترى إلى قوله : وأن الله هو التواب الرحيم ، فكل منهما متصف بالتوبة وإن اختلفت جهتا النسبة. ألا ترى إلى ما روي : «ومن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»؟.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) : صيغة أمر ضمنها الوعيد ، والمعتذرون التائبون من المتخلفين ، هم المخاطبون. وقيل : هم المعتذرون الذين لم يتوبوا. وقيل : المؤمنون والمنافقون. فسيرى الله إلى آخرها تقدم شرح نظيره. وإذا كان الضمير للمعتذرين الخالطين التائبين وهو الظاهر ، فقد أبرزوا بقوله : فسيرى الله عملكم ، إبراز المنافقين الذين قيل لهم : (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) (١) وسيرى الآية تنقيصا من حالهم وتنفيرا عما وقعوا فيه من التخلف عن الرسول ، وأنهم وإن تابوا ليسوا كالذين جاهدوا معه بأموالهم وأنفسهم لا يرغبون بأنفسهم عن نفسه.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) : قال ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن إسحاق : نزلت في الثلاثة الذين خلفوا قبل التوبة عليهم : هلال بن أمية الواقفي ، ومرارة بن الربيع العامري ، وكعب بن مالك. وقيل : نزلت في المنافقين المعرضين للتوبة مع بنائهم مسجد الضرار. وقرأ
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٩٤.