إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (١) وقوله : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) (٢) ويضعف ما قاله ابن جبير : من أن هذا كله يوم القيامة ، وذلك أنّ ابراهيم يلقى أباه فيعرفه ويتذكر قوله : سأستغفر لك ربي ، فيقول له : الزم حقوى فلن أدعك اليوم لشيء ، فيدعه حتى يأتي الصراط ، فيلتفت إليه فإذا هو قد مسخ ضبعانا ، فيتبرأ منه حينئذ انتهى ما قاله ابن جبير ، ولا يظهر ربطه بالآخرة.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : خفي على إبراهيم عليهالسلام أنّ الاستغفار للكافر غير جائز حتى وعده. (قلت) : يجوز أن يظن أنه ما دام يرجى له الإيمان جاز الاستغفار له على أنّ امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي ، لأن العقل يجوز أن يغفر الله للكافر. ألا ترى إلى قوله صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» وعن الحسن قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ فلانا يستغفر لآبائه المشركين فقال : «ونحن نستغفر لهم» وعن علي رضياللهعنه : رأيت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت له : فقال : أليس قد استغفر إبراهيم انتهى؟ وقوله : لأنّ العقل يجوز أن يغفر الله للكافر رجوع إلى قول أهل السنة.
والأوّاه : الدعاء ، أو المؤمن ، أو الفقيه ، أو الرحيم ، أو المؤمن التواب ، أو المسبّح ، أو الكثير الذكر له ، أو التلاء لكتاب الله ، أو القائل من خوف الله ، أواه المكثر ذلك ، أو الجامع المتضرع ، أو المؤمن بالحبشية ، أو المعلم للخير ، أو الموفى ، أو المستغفر عند ذكر الخطايا ، أو الشفيق ، أو الراجع عن كل ما يكرهه الله ، أقوال للسلف ، وقد ذكرنا مدلوله في اللغة في المفردات. وقال الزمخشري : أوّاه فقال : من أوّه كلأل من اللؤلؤ ، وهو الذي يكثر التأوه ، ومعناه أنه لفرط ترحمه ورقته وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر ويستغفر له مع شكاسته عليه. وقوله : لأرجمنك انتهى. وتشبيه أوّاه من أوّه بلآل من اللؤلؤ ليس بجيد ، لأنّ مادة أوّه موجودة في صورة أوّاه ، ومادة لؤلؤة مفقودة في لأل لاختلاف التركيب ، إذ لأل ثلاثي ، ولؤلؤ رباعي ، وشرط الاشتقاق التوافق في الحروف الأصلية. وفسروا الحليم هنا بالصافح عن الذنب الصابر على الأذى ، وبالصبور ، وبالعاقل ، وبالسيد ، وبالرقيق القلب الشديد العطف.
(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) : مات قوم كان عملهم على الأمر الأول : كاستقبال بيت المقدس ، وشرب الخمر ،
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٨٦.
(٢) سورة إبراهيم : ١٤ / ٤١.