التركيب في مثل كان : يقوم زيد ، وفيه خلاف ، والصحيح المنع. وأما توجيه الآخر فضعيف جدا من حيث أضمر في كاد ضمير ليس له على من يعود إلا بتوهم ، ومن حيث يكون خبر كاد واقعا سببيا ، ويخلص من هذه الإشكالات اعتقاد كون كاد زائدة ، ومعناها مراد ، لا عمل لها إذ ذاك في اسم ولا خبر ، فتكون مثل كان إذا زيدت ، يراد معناها ولا عمل لها. ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن مسعود : من بعد ما زاغت ، بإسقاط كاد. وقد ذهب الكوفيون إلى زيادتها في قوله تعالى : (لَمْ يَكَدْ يَراها) (١) مع تأثيرها للعامل ، وعملها هي. فأحرى أن يدعي زيادتها ، وهي ليست عاملة ولا معمولة.
وقرأ الأعمش والجحدري : تزيغ برفع التاء. وقرأ أبي : من بعد ما كادت تزيغ ثم تاب عليهم ، الضمير في عليهم عائد على الأولين ، أو على الفريق فالجملة كرّرت تأكيدا. أو يراد بالأول إنشاء التوبة ، وبالثاني استدامتها. أو لأنه لما ذكر أنّ فريقا منهم كادت قلوبهم تزيغ نص على التوبة ثانيا رفعا لتوهم أنهم مسكوت عنهم في التوبة ، ثم ذكر سبب التوبة وهو رأفته بهم ورحمته لهم. والثلاثة الذين خلفوا تقدمت أسماؤهم ، ومعنى خلفوا عن الغزو غزو تبوك قاله : قتادة. أو خلفوا عن أبي لبابة وأصحابه ، حيث تيب عليهم بعد التوبة على أبي لبابة وأصحابه إرجاء أمرهم خمسين يوما ثم قبل توبتهم. وقد ردّ تأويل قتادة كعب بن مالك بنفسه فقال : معنى خلفوا تركوا عن قبول العذر ، وليس بتخلفنا عن الغزو. وقرأ الجمهور : خلفوا بتشديد اللام مبنيا للمفعول. وقرأ أبو مالك كذلك وخفف اللام. وقرأ عكرمة بن هارون المخزومي ، وذر بن حبيش ، وعمرو بن عبيد ، ومعاذ القاري ، وحميد : بتخفيف اللام مبنيا للفاعل ، ورويت عن أبي عمرو أي : خلفوا الغازين بالمدينة ، أو فسدوا من الخالفة. وقرأ أبو العالية وأبو الجوزاء كذلك مشدّد اللام. وقرأ أبو زيد ، وأبو مجلز ، والشعبي ، وابن يعمر ، وعلي بن الحسين ، وابناه زيد ، ومحمد الباقر ، وابنه جعفر الصادق : خالفوا بألف أي : لم يوافقوا على الغزو. وقال الباقر : ولو خلفوا لم يكن لهم. وقرأ الأعمش : وعلى الثلاثة المخلفين ، ولعله قرأ كذلك على سبيل التفسير ، لأنها قراءة مخالفة لسواد المصحف. حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت تقدم تفسير نظيرها في هذه السورة في قصة حنين. وضاقت عليهم أنفسهم استعارة ، لأن الهم والغم ملأها بحيث لا يسعها أنس ولا سرور ، وخرجت عن فرط الوحشة والغم ، وظنوا أي : علموا. قاله الزمخشري. وقال ابن عطية : أيقنوا ، كما قالوا في قول الشاعر :
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤٠.