(وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي وما كانت توجد منا أنفسنا وجدها الهداية لولا أن الله هدانا وهذه الجملة توضح أن الله خالق الهداية فيهم وأنهم لو خلوا وأنفسهم لم تكن منهم هداية ، وقال الزمخشري : وما كان يستقيم أن نكون مهتدين لو لا هداية الله تعالى وتوفيقه ، وقال أبو البقاء : وما كنا الواو للحال ويجوز أن تكون مستأنفة انتهى ، والثاني : أظهر. وقرأ ابن عامر (ما كُنَّا) بغير واو وكذا هي في مصاحف أهل الشام وهي على هذا جملة موضحة للأولى ومن أجاز فيها الحال مع الواو ينبغي أن يجيزها دونها ، والذي تقتضيه أصول العربية أنّ جواب (لَوْ لا) محذوف لدلالة ما قبله عليه أي (لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) ما كنا لنهتدي أو لضللنا لأنّ (لَوْ لا) للتعليق فهي في ذلك كأدوات الشرط على أنّ بعض الناس خرج قوله (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١) على أنه جواب تقدم وهو قوله (وَهَمَّ بِها) وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، وهذا على مذهب جمهور البصريين في منع تقديم جواب الشرط.
(لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي بالموعود الذي وعدنا في الدنيا قضوا بأنّ ذلك حقّ قضاء مشاهدة بالحسّ وكانوا في الدنيا يقضون بذلك بالاستدلال ، وقال الكرماني : وقع الموعود به على ما سبق به الوعد ، وقال الزمخشري فكان لنا لطفا وتنبيها على الاهتداء فاهتدينا يقولون ذلك سرورا واغتباطا بما نالوا وتلذّذا بالتكلم به لا تقربا وتعبدا كما ترى من رزق خيرا في الدنيا يتكلّم بنحو ذلك ولا يتمالك أن يقوله للفرح لا للقربة.
(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) يحتمل أن يكون النداء من الله وهو أسرّ لقلوبهم وأرفع لقدرهم ويحتمل أن يكون من الملائكة وأن يحتمل أن تكون المخففة من الثقيلة أي (وَنُودُوا) بأنه (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) واسمها ضمير الشأن يحذف إذا خفّفت ويحتمل أن تكون (أَنْ) مفسره لوجود شرطها وهما أن يكون قبلها جملة في معنى القول وبعدها جملة وكأنه قيل : (تِلْكُمُ الْجَنَّةُ).
قال ابن عطية (تِلْكُمُ) إشارة إلى غائبة فإما لأنهم كانوا وعدوا بها في الدنيا فالإشارة إلى تلك أي (تِلْكُمُ) هذه (الْجَنَّةُ) وحذفت هذه وإما قبل أن يدخلوها وإما بعد الدخول وهم مجتمعون في موضع منها فكل غائب عن منزله انتهى ، وفي كتاب التحرير و (تِلْكُمُ) إشارة إلى غائب وإنما قال هنا (تِلْكُمُ) لأنهم وعدوا بها في الدنيا فلأجل الوعد جرى الخطاب بكلمة العهد قوله صلىاللهعليهوسلم للصديق في الاستخبار عن عائشة «كيف تيكم للعهد السابق» انتهى ، و (الْجَنَّةُ) جوّزوا فيها أن تكون خبرا لتلكم و (أُورِثْتُمُوها) حال كقوله
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٢٤.