كأنهم قالوا أقصدتنا لنعبد الله وحده وتعرضت لنا بتكاليف ذلك وفي قولهم (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) دليل على أنه كان يعدهم بعذاب الله إن داموا على الكفر وقولهم ذلك يدلّ على تصميمهم على تكذيبه واحتقارهم لأمر النبوّة واستعجال العقوبة إذ هي عندهم لا تقع أصلا وقد تقدّم قوله (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) و (إِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فلما كانوا يعتقدون كونه كاذبا قالوا (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي في نبوّتك وإرسالك أو في أنّ العذاب نازل بنا.
(قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) أي حلّ بكم وتحتّم عليكم قال زيد بن أسلم والأكثرون : الرّجس هنا العذاب من الارتجاس وهو الاضطراب. وقال ابن عباس : السخط. وقال أبو عبد الله الرازي : لا يكون العذاب لأنه لم يكن حاصلا في ذلك الوقت ، وقال القفال : يجوز أن يكون الازدياد في الكفر بالرين على القلوب أي لتماديهم على الكفر (وَقَعَ عَلَيْكُمْ) من الله رين على قلوبكم كقوله (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) (١) فإنّ الرجس السخط أو الرين فقوله (قَدْ وَقَعَ) على حقيقته من المضي وإن كان العذاب فيكون من جعل الماضي موضع المستقبل لتحقّق وقوعه.
(أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) هذا إنكار منه لمخاصمتهم له فيما لا ينبغي فيه الخصام وهو ذكر ألفاظ ليس تحتها مدلول يستحقّ العبادة فصارت المنازعة باطلة بذلك ومعنى (سَمَّيْتُمُوها) سميتم بها أنتم وآباؤكم أي أحدثتموها قريبا أنتم وآباؤكم وهي صمود وصداء والهباء وقد ذكرها مرثد بن سعد في شعره فقال :
عصت عاد رسولهم فأضحوا |
|
عطاشا ما تبلّهم السماء |
لهم صنم يقال له صمود |
|
يقابله صداء والهباء |
فبصرنا الرسول سبيل رشد |
|
فأبصرنا الهدى وجلى العماء |
وإنّ إله هود هو إلهي |
|
على الله التوكّل والرجاء |
فالجدال إذ ذاك يكون في الألفاظ لا مدلولاتها ويحتمل أن يكون الجدال وقع في المسمّيات وهي الأصنام فيكون أطلق الأسماء وأراد بها المسميات وكان ذلك على حذف مضاف أي (أَتُجادِلُونَنِي) في ذوات أسماء ويكون المعنى (سَمَّيْتُمُوها) آلهة وعبدتموها من دون الله ، قيل : سموا كل صنم باسم على ما اشتهوا وزعموا أنّ بعضهم يسقيهم المطر وبعضهم يشفيهم من المرض وبعضهم يصحبهم في السّفر وبعضهم يأتيهم بالرزق ..
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ١٢٥.