واستمر الحال على هذا إلى أن استقام أمر أهل السنة فيها ، وقوي أمرهم واشتد ، إلى أن لجأ إليها الخوارج في عهد بني أمية ، ولكن عتّاب بن ورقاء واليها من قبل مصعب بن الزبير أخرجهم منها ، فلجأوا إلى الأهواز ، وعادت القوة فيها لأهل السنة ، ويغلب عليهم المذهب الشافعي والحنفي ، ويتولى زعامة الشافعية فيها أسرة الخجنديين ، وزعامة الأحناف أسرة الصاعديين ، واستمر الأمر على هذا ، سوى ما كان من ظهور الشيعة والزيدية بين الفينة والفينة (١) ، لكن الصبغة العامة كانت غلبة أهل السنة والجماعة.
وحاول الإسماعيليون إثارة الفتن عدة مرات لتنغيص هدوء المدينة واستقرارها ، وكاد يستفحل أمرهم ، لكن فتوى قتلهم التي أصدرها الفقيه الشافعي أبو القاسم الخجندي ، ساعدت على القضاء عليهم وإخراجهم منها ، وعادت الغلبة إلى أهل السنة ، إلى أن جاءت فتنة المغول ، فاستغلوا الخلاف بين الشافعية والحنفية الذي أضعف أهلها ، وجعلهم لقمة سائغة لخصومهم ، سهلت احتلالهم واختلال أحوالهم (٢).
وفي سنة ٩٠٨ ه ، استولى الشاه إسماعيل الصفوي ، أول داع متعصب ومروج لمذهب التشيع على أصبهان وغيرها من المدن الإيرانية ، فأجبر أهل السنة على اتباع مذهب الشيعة ، مستعملا أسلوب الرغبة والرهبة ، وحل محل الشافعية والحنفية ، اختلاف الشيعة الحيدرية والنعمتية (٣).
يقول الدكتور علي كلباسي : «ففي عهد الصفوية ، صار مذهب الشيعة المذهب الرسمي لأهم المدن الإيرانية ، ومنها أصفهان ، وهذا البلد الذي كان
__________________
(١) انظر «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٢٠٠ ، ومنها ظهور البويهيين في القرن الرابع الهجري.
(٢) علي كلباسي في : «اقتصاد شهر أصفهان» ص ٢٠١.
(٣) انظر كتاب «أصفهان» ص ٩٨ للدكتور لطف الله ، والمصدر السابق لعلي كلباسي ، «وتاريخ أصفهان» ص ٣٨ لميرزا حسن الأنصاري. والحيدرية والنعمتية : فرقتان من سلسلة التصوف عند الشيعة ، إحداهما تنسب إلى الشيخ الكبير ـ عندهم ـ السيد حيدر. والثانية تنسب إلى الشاه نعمة الله ولي ماهاني. كذا في المصدر السابق الأخير.