صارت مقصد القاصي والداني ، ولا سيما بعد ما استوطنها عدد من كبار الحفاظ المحدثين(١).
حتى أثرت رحلة بعض الحفاظ إليها ، وصيرتها دار هجرة ، كما ذكر لنا أبو النعمان عارم ، بعد ما أخبر بعودة أبي حفص الفلاسي من أصبهان ، فقال : «وقدم أبو حفص من أصبهان ، وحمل خمسة آلاف درهم ، فقال : هاجر أبو داود ـ الطيالسي ـ إلى أصبهان ، وصيرها دار هجرة» (٢).
وقال السخاوي : «كانت أصفهان تضاهي بغداد في العلو والكثرة» (٣).
فصارت حقا دار هجرة للعلماء ، ومحط نشاطهم ، حتى أقبل بعض الرؤساء والعمال يتنشطون ، إما في تلقي الحديث أو إكرام المحدثين.
فهذا رئيس أصفهان ، محمد بن عبد الله بن الحسن بن حفص الهمداني من المحدثين الذين اطمأنّ إليهم أبو الشيخ ، فتلقى منهم الحديث ، وروى عنهم (٤).
وهذا عامل أصفهان ، أبو علي أحمد بن محمد بن رستم ، شغفه حب العلماء ، فيستقبل الطبراني عند قدومه المرة الثانية سنة ٣١٠ ه ويسهل له البقاء بأصبهان ، فيكرمه بتعيين معونة معلومة يقبضها من دار الخراج ، وتستمر حتى حين وفاته بها (٥).
وهذا الذي ذكرناه من نشاط التحديث والرواية بأصبهان ، قرب له الحصول ، فهو يبذل جهده في طلب الحديث من علماء بلده أولا ، وهذا هو
__________________
(١) مثل أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي ، والطبراني ، وغيرهما. انظر ما تقدم من تفصيل في مبحث مكانة أصفهان العلمية.
(٢) انظر «طبقات المؤلف أبي الشيخ» ١١٠ ، ١١٩ / ٢.
(٣) انظر «الإعلان بالتوبيخ» ص ١٤٣.
(٤) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠ للذهبي.
(٥) الذهبي : «سير النبلاء» ٣٤٧ / ١٠.