دأب المحدثين السلف ، فيرون من الضروري أن يتلقى الطالب أولا من علماء بلده ، لقربهم ومعرفته بهم (١).
ولذا ، اعتبر صالح بن أحمد التميمي الحافظ ـ صاحب «طبقات الهمذانيين» ـ التعرف على شيوخ البلدة ومروياتهم ، من أول ما تجب معرفته على طالب الحديث في ذلك البلد (٢).
فاستجاب محدثنا لهذا ، فأكب على سماع الحديث والتلقي من مشايخ بلده وعمره لم يتجاوز عشر سنوات ، واستمر على هذا إلى أن قضى عمره ستا وعشرين سنة في بلده ، وهو يتجول مع والده ويختلف معه في طلب الحديث ، حتى رأى أنه حصّل أكثر ما في بلده ، وقد حان وقت رحلته ، فيبدأ رحلته في ازدياد العلم ، والتعرف على علماء غير بلده ، وذلك في حدود الثلاث مئة عندما يكون عمره ٢٦ سنة ، فيرحل إلى البلاد المشهورة بالعلماء المعنية بهذا الشأن : قريبها وبعيدها ، نحو : الريّ ، والأهواز ، والعراق ، والبصرة ، والموصل ، وواسط ، وبغداد ، وحران ، وبلاد الحجاز (٣).
قال الذهبي : «ورحل في حدود الثلاث مئة ، وروى عن أبي خليفة الجمحيّ وأمثاله بالموصل وحران والحجاز والعراق» (٤).
وقال الذهبي أيضا ، وهو يعد جملة من شيوخه الذين سمع منهم في جولاته ورحلاته : «وسمع في ارتحاله من خلق كثير ... إلى أن قال في الآخر : وأمم سواهم (٥)».
وهذا العدد الكبير من مشايخه مما يكبر شأنه ، وقد ذكر المؤلف نفسه ما
__________________
(١) انظر «تاريخ بغداد» ١ / ٢١٤.
(٢) اكرم ضياء العمري : «موارد الخطيب» ص ٢٦٠ ، نقلا عن المصدر السابق للخطيب.
(٣) انظر مبحث شيوخه.
(٤) انظر : «العبر في خبر من غبر» ٢ / ٣٥١ ، و «شذرات الذهب» ٣ / ٦٩ ، لابن العماد الحنبلي.
(٥) انظر «سير النبلاء» ٢١٥ / ١٠ ، وسيأتي ذكرهم بالتفصيل في مبحث شيوخه.