أبو الشيخ والحديث :
تقدم أن عرفنا في نشأة أبي الشيخ أنه أخذه الشوق والجد لسماع الحديث وهو صغير لم يتجاوز عمره عشر سنوات ، وبدأ رحلته مبكرا في طلب الحديث ، وكان عمره إذ ذاك ٢٦ سنة ، وكتب العالي والنازل ، وصنف المصنفات العديدة في الحديث والرجال ، وبرز ونبغ ولقي الكبار من المحدثين وغيرهم من العلماء.
فكتابه «السنن» ، من أكبر مؤلفاته في الحديث ، قال الذهبي عنه : وكتابه «السنن» في عدة مجلدات. وكتاب «الثواب للأعمال الزكية» في خمس مجلدات (١) ، وكذا كتاب «خطب النبي» ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، وكتاب «الأدب» ، «وكتاب أخلاق النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وآدابه». وغير ذلك من مؤلفاته في الرجال ، نحو كتابنا هذا ، و «معجم الشيوخ وروايات الأقران بعضهم عن بعض» (٢) ، وبالإضافة إلى ذلك ، فقد سمع عن بعض مشايخه وأكثر في الأخذ ، كما ذكر الذهبي قول سليمان بن إبراهيم الحافظ أنه قال :
قال أبو أحمد العسال ـ محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي ـ : «إذا سمعت من الطبراني عشرين ألف حديث ، وسمع منه أبو إسحاق بن حمزة ثلاثين ألفا وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفا كملنا» (٣) ، قال الذهبي : «هؤلاء كانوا شيوخ أصبهان مع الطبراني».
ومما يدل على سعة علم أبي الشيخ في الحديث ، هو أنه يحكم كثيرا على الحديث بأنه لا يروى إلا بهذا الإسناد ، أو يذكر الراوي ، ويقول : له حديث لم يحدث به غيره (٤) ، فمثل هذا الحكم لا يمكن أن يصدر إلا من عالم محدث حافظ ، وسيع العلم بطرق الأحاديث ورواتها.
__________________
(١) انظر «سير النبلاء» ١٢٥ / ١٠.
(٢) انظر مبحث آثار المؤلف.
(٣) انظر «سير النبلاء» ٣٤٧ / ١٠.
(٤) انظر ت ١٩ ح ٣٤ وت ٢٤ ح ٣٧ ، ت ٢٣ ، ت ١٢ ح ٢٧ من «طبقات المؤلف» ، وغير ذلك كثير ، وسيأتي بتفصيل أكثر عند مبحث منهج المؤلف في كتابه «الطبقات».