أبو الشيخ وعلو الإسناد :
لا شك أن لعلو السند أهمية كبيرة ، حتى كان أحد أسباب رحلة المحدثين سماع الحديث عاليا.
يذكر أستاذنا الدكتور أكرم ضياء العمري أن «في جيل التابعين يبرز عامل جديد يحفز طلاب الحديث إلى الرحلة ، ذلك هو طلب الإسناد العالي ، فهو أخصر طرق الحديث المتصلة» (١) ، وقد ضرب أمثلة لرحلات عدد من المحدثين في هذا الشأن (٢).
والذي نحن بصدده هو علو إسناد المؤلف ، وليس هذا من خصائص المؤلف فقط ، بل هو ميزة معظم محدثي ذاك الزمان ، وبالأخص أهل أصبهان ، لأن أعمار أهلها تطول. ولنستمع إلى ما ذكره ياقوت ، فقال : «قد خرج من أصبهان العلماء والأئمة في كل فن ما لم يخرج من مدينة من المدن ، وعلى الخصوص علو الإسناد ، فإنّ أعمار أهلها تطول» (٣).
بل وقد اشتهر وبلغ أبو نعيم التلميذ البارز للمؤلف والمكثر عنه إلى حد في علو الإسناد ، وصفه المحدثون ـ فيما ذكره حمزة بن العباس العلوي ـ بأن أصحاب الحديث كانوا يقولون : «بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير ، لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى إسنادا منه ، ولا أحفظ منه» (٤).
فأبو الشيخ كذلك ، يحظى بعلو الإسناد ، ذلك لأنه بكّر في سماع الحديث ، فلقي الكبار ، وعاش ٩٦ سنة ، فتهيأ له من ذلك كتابة العالي والنازل ، واللقيا ، كما ذكر ابن عبد الهادي والذهبي أنه «كتب العالي والنازل ، ولقي الكبار» (٥).
__________________
(١) انظر «بحوث في تاريخ السنة المشرفة» ص ٢١٠.
(٢) انظر نفس المصدر ٢١١ ـ ٢١٢.
(٣) انظر «معجم البلدان» ١ / ٢٠٦ ـ ٢١٠.
(٤) انظر «طبقات الشافعية الكبرى» ٤ / ٢١ ، و «تذكرة الحفاظ» ٣ / ١٠٩٤.
(٥) انظر «مختصر طبقات علماء الحديث» ٣٢٤ / ٢ ، و «تذكرة الحفاظ» ٣ / ٩٤٥.