الوقف على المساجد مصلحة للمسلمين ، وهي مع ذلك طاعة وقربة ، فهي جهة من جهات المصالح المأذون فيها ، بخلاف الكنائس ، فإن الوقف عليها وقف على جهة خاصة من مصالح أهل الذمة لكنها معصية ، لأنها إعانة لهم على الاجتماع إليها للعبادات المحرمة ، والكفر ، بخلاف الوقف عليهم (١) أنفسهم. لعدم استلزامه المعصية بذاته ، إذ نفعهم (٢) من حيث الحاجة ، وأنهم عباد الله ، ومن جملة بني آدم المكرمين ، ومن تجويز أن يتولد منهم المسلمون لا معصية فيه. وما يترتب عليه من
______________________________________________________
ـ وعن المشهور الجواز لقوله تعالى : (لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) (١).
وذهب الشيخان وأبو الصلاح وابن حمزة إلى الجواز إذا كان الذمي رحميا قريبا للمرسل (إن صفيّة وقفت على أخ لها يهودي فأقرها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم) (٢) ، والمرسل في المراسم لسلّار (وقد روي أنه إذا كان الكافر أحد أبوي الواقف أو من ذوي رحمه ، كان جائزا) (٣).
وعن ابن إدريس الجواز على ما لو كان أحد الأبوين فقط والأقرب بالجواز خصوصا للمرسلين المتقدمين مع عموم أو إطلاق اعتبار الوقف وإمكان التقرب إلى الله بالوقف على الذمي بما هو عبد لله جلّ وعلا ومحتاج إليه ، ويرشد إليه جواز الصدقة عليه كما سيأتي.
ثم على تقدير جواز الموقف على الذمي ، مع ما تقدم من جواز الوقف على المساجد باعتبار أنه وقف على المسلمين فيحتمل كون الوقف على الكنائس والبيع جائزا إذا كانت لأهل الذمة بناء على أن الوقف عليها وقف على أهل الذمة.
ولكنه احتمال مردود للفرق بين الجهتين فالوقف على المساجد وقف على المسلمين في جهة خاصة وهي طاعة وقربة ، وأما الوقف على الكنائس والبيع فإنه وقف على أهل الذمة في جهة خاصة وهي معصية ، لأنها محل إقامة شعائر الكفر الذي هو أبغض شيء إلى الله ، وهذا بخلاف الوقف على أهل الذمة بما هم عباد الله ومن جملة بني آدم المكرمين ، فليس الوقف عليهم بما هم كفرة فإنه لا يجوز ، بل قد تقدم عدم جواز الوقف على الزناة وشاربي الخمور وفسقة المسلمين بما هم موصوفون بهذه الحيثية.
(١) على أهل الذمة بما هم عباد الله سبحانه وتعالى.
(٢) مبتدأ لقوله : (لا معصية فيه).
__________________
(١) سورة الممتحنة ، آية : ٨.
(٢) المغني لابن قدامة ج ٤ ص ٢٢٢.
(٣) المراسم ١٩٨ الطبعة الأولى ١٩٨٠ م ـ ١٤٠٠ ه.