عن محمّد بن سيرين قال : كان عمر بن الخطّاب يعسّ فسمع امرأة وهي تقول :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها |
|
أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاج؟ |
قال : أما ما كان عمر حيّا فلا ، فلمّا أصبح بعث إلى نصر بن حجّاج ، فإذا رجل جميل ، فقال : اخرج فلا تساكني ، فقال : لم ، ما ذنبي؟ قال : اخرج ، والله لا تساكني بالمدينة ، فخرج حتى أتى البصرة ، فكان يدخل على مجاشع بن مسعود السلمي ، وكانت له امرأة جميلة ، يقال لها الخضيراء ، فأعجب بها نصر ، وكان يقعد هو وأبو مجاشع يتحدثان وخضيراء معهما ، فكتب لها نصر في الأرض كتابا ، فقالت : وأنا ، فعلم أنه جواب كلام وكانت تكتب ، وكان مجاشع لا يكتب ، فدعا بإناء فكفأه عليه ودعا كاتبا فقرأه ، فإذا هو : إنّي لأحبك حبا لو كان فوقك لأظلّك ، ولو كان تحتك لأقلّك ، وبلغ نصر ما صنع مجاشع ، فاستحيا ، فلزم بيته ، وضني حتى صار كالفرخ ، فقال مجاشع لامرأته : اذهبي إليه فأسنديه إلى صدرك ، وأطعميه الطعام بيدك ، فأبت ، فعزم عليها ، فأسندته إلى صدرها ، وأطعمته الطعام بيدها ، فلمّا تحامل خرج من البصرة.
قال : وحدّثنا الخرائطي ، نا إبراهيم بن الجنيد ، نا محمّد بن سعيد القرشي البصري ، نا محمّد بن الجهم بن عثمان بن أبي الجهيم (١) عن أبيه ، عن جدّه ، وكان على ساقة غنائم خيبر حين افتتحها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : بينما عمر يطوف في سكة من سكك المدينة إذ سمع امرأة وهي تهتف في خدرها :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها |
|
أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاج |
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل |
|
سهل المحيا كريم غير ملجاج |
تمته أعراق صدق حين تنسبه |
|
أخي حفاظ عن المكروه فراج |
قال عمر : أرى معي في المصر رجلا تهتف به الهواتف في خدورها ، عليّ بنصر بن حجّاج ، فأتي به ، فإذا هو من أحسن الناس وجها وعينا ، وشعرة ، فأمر بشعره فجزّ ، فخرجت له جبهة كأنها شقة قمر ، فأمره أن يعتمّ ، فاعتمّ فافتتن النساء بعينيه ، فقال عمر : والله لا تساكني بلادا أنا بها ، قال : يا أمير المؤمنين ، ولم؟ قال : هو ما أقول لك ، فسيّره إلى البصرة ، وخشيت المرأة التي سمع منها عمر أن يبدر من عمر إليها شيء ، فدسّت إليه أبياتا :
__________________
(١) بالأصل وم و «ز» : جهم ، راجع ترجمته في أسد الغابة ٥ / ٦٠ وقيل : هو أبو جهيمة ، وذكر أنه كان على سياقة غنم خيبر.