وذنبه كذنب الديك ، واجعلها مطبقة ، واجعل لها أبوابا في جنبها ، وشدّها بدسر ـ يعني ـ مسامير الحديد ، وبعث الله جبريل فعلّمه صنعة السفينة فكان جبريل الران (١) ، ونوح النجّار ، فيا له من ران ، ويا له من نجّار.
قال : فكانوا يمرّون به ويسخرون به ويقولون : ألا ترون إلى هذا المجنون ، يتخذ بيتا يسير به على الماء ، وأين الماء؟ ويضحكون به ، وذلك قوله : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)(٢) فأوحى الله إليه أن عجل صنعة السفينة ، فقد اشتد غضبي على من عصاني ، فانطلق فاستأجر نجارين يعملون معه ، وسام ويافث وحام معه ينحتون السفينة ، فجعل السفينة ستمائة ذراع طولها ، وستين ذراعا في الأرض ، وعرضها ثلاثمائة ذراع وثلاثون ، وطولها في السماء ثلاثة وثلاثون ذراعا ، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه ، ولم يكن في الأرض قار ، ففجر الله له عين القار حيث ينحت السفينة ، يغلي غليانا حتى طلاه ، فلمّا فرغ منها جعل له ثلاثة أبواب ، وجعل ـ يعني ـ أبوابها في جنبها ، وأطبقها ، فجعل فيها السباع والدواب ، فألقى الله على الأسد الحمى ، وشغله بنفسه عن الدوابّ أن لا يتحرك ، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ، ثم أطبق عليها ، وجعل ولد آدم أربعين رجلا وأربعين امرأة في الباب الأعلى ، ثم أطبق عليهما ، وجعل الدرة معه في الباب الأعلى لضعفها لأن لا تطأها الدواب ، وقال : يا ربّ ما علامة ما بيني وبين الماء؟ قال : إذا فار التنور.
وزعم السّدّي عن مجاهد وابن سمعان : أن الماء فار من التنور بأرض الجزيرة من عين وردة (٣) ، وركب نوح من رأس العين بالجزيرة.
وقال أبو روق بلغني عن عبد الله بن زياد بن سمعان عن رجال سمّاهم قال : إن الله أعقم رجالهم قبل الطوفان بأربعين عاما ، وأعقدناهم فلم يتوالدوا أربعين عاما منذ يوم دعا نوح حتى أدرك الصغير فبلغ الحنث (٤) ، وصار لله عليهم الحجة ، ثم أرسل السماء عليهم بالطوفان.
أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله ، أخبرنا أبو الحسين بن حسنون ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو بكر النيسابوري ، نا يونس ، نا ابن وهب ، حدّثني محمّد بن مسلم ، عن أيوب بن موسى ، عن محمّد بن كعب القرظي قال :
__________________
(١) كذا بالأصل وم و «ز».
(٢) سورة هود ، الآية : ٣٨.
(٣) عين وردة ، (راجع معجم البلدان).
(٤) الحنث : الإثم ، والذنب.