لما استنقذ الله ما في أصلاب الرجال وما في أرحام النساء من كلّ مؤمن ومؤمنة ، أوحى الله إلى نوح (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)(١) ، الآية كلها ، وقال القرظي : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)(٢) ، قال : كان القدر قبل البلاء.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أخبرنا أبو الفضل بن خيرون ، أنا أبو القاسم بن بشران ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن الحسن ، أنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدّثنا المنجاب ، أخبرنا أبو عامر الأسدي ، نا عبد الوهّاب بن مجاهد ، قال : سمعت مجاهدا يقول :
مكث نوح يدعو قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ، يدعوهم إلى الله يسره إليهم ثم يجهر به لهم ، ثم أعلن ، قال مجاهد : الإعلان : الصياح ، فجعلوا يأخذونه فيخنقونه حتى يغشى عليه فيسقط الأرض مغشيا عليه ، ثم يفيق فيقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ، قال : فيقول الرجل منهم لأبيه : يا أبت ما هذا الشيخ يصيح كلّ يوم لا يفتر؟ فيقول : أخبرني أبي عن جدي أنه لم يزل على هذا منذ كان. قال : فلمّا دعا على قومه أمره الله أن يصنع الفلك ، فصنع السفينة فعملها في ثلاث سنين ، (كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) يعجبون من نجارته السفينة ، فلمّا فرغ منها جعل له ربه أنه إذا رأيت التنور قد فار فاجعل في السفينة من كلّ زوجين اثنين ، قال : وكان التنور فيما بلغنا في زاوية من مسجد الكوفة (٣) ، قال : فلمّا فار التنور جعل فيها كما أمره به الله قال : يا ربّ كيف بالأسد والأسدة؟ وكيف بالفيل والفيلة ، فقال له ربه : سألقي عليهم الحمّى إنّها ثقيلة (٤) ، قال : فحمل (٥) أهله وبنيه وبناته وكنائنه ، ودعا ابنه فلمّا أبى عليه وفرغ من كلّ شيء يدخله السفينة طين بالسفينة الأخرى عليهم ولو لا ذلك لم يبق في السفينة شيء إلّا هلك لشدة وقع الماء حين يأتي من السماء ، قال الله عزوجل : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ)(٦) قال : فكان قدر كلّ قطرة مثل ما يجري من فم القربة ، فلم يبق على ظهر الأرض شيء إلّا هلك يومئذ إلّا ما في السفينة ، ولم يدخل الحرم منه شيء.
أخبرنا أبو محمّد بن طاوس ، أنا أبو الغنائم بن أبي عثمان ، أنا أبو الحسن بن رزقويه ،
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ٣٦.
(٢) سورة القمر ، الآية : ١٢.
(٣) قال الطبري ١ / ١٨٦ وقد اختلف في المكان الذي كان به التنور فقال بعضهم : كان بالهند ، وقال آخرون : كان بناحية الكوفة وعن قتادة أنه عين في الجزيرة (البداية والنهاية ١ / ١٢٥).
(٤) الأصل وم : الفيلة ، والمثبت عن «ز».
(٥) كذا بالأصل م ، وفي «ز» : فجعل.
(٦) سورة القمر ، الآية : ١١.