عمر ، ما كان أنظره بنور الله في ذات الله ، وأفرسه ، كان ـ والله ـ كما قال الشاعر :
بصير بأعقاب الأمور (١) برأيه |
|
كأنّ له في اليوم عينا على غد |
وكما قال الآخر :
تريده الإمام إن شاء عفت |
|
شدّة حوم بتصاريفها |
وفي مثله :
كأنها في حال إسعافها |
|
تسمعه صحة تخويفها |
وفي مثله :
ترى عزمات الرأي حتى كأنما |
|
تلاحظه في كلّ أمر عواقبه |
وذلك أن نصر بن حجّاج لما نفاه عمر إلى البصرة كان يدخل على مجاشع بن مسعود السّلمي ، وكان به معجبا ، وكانت لمشاجع امرأة يقول لها الخضيراء ، وكانت من أجمل النساء ، وكان لا يصبر عنها ، وهو يومئذ أمير على البصرة ، وكان لشغفه بها يجمعها في مجلسه ، فجاءت من مشاجع التفاتة ونصر بن حجّاج يخطّ في الأرض خطوطا ، فقالت الخضيراء : وأنا ، فعلم مجاشع أنه جواب كلام ، وكان مجاشع لا يقرأ ، وكانت الخضيراء تقرأ ، وانصرف نصر إلى منزله ، ودعا مشاجع كاتبا فقرأه فإذا هو : إنّي لأحبك حبّا لو كان فوقك لأظلّك ، ولو كان تحتك لأقلّك ، وبلغ نصرا ما كان [من](٢) فعل مجاشع بن مسعود ، فاستحيا لذلك ، واشتد وجده ، وظهر دنفه ، وعظمت بليته ، وجلت رزيته ، والتحف عليه الأطباء ، وامتنع من الغذاء حتى شارف الفناء.
كذلك حدّثناه العباس بن عبد الله الترقفي ، نا محمّد بن كثير المصّيصي ، عن مخلد بن الحسين (٣) ، عن هشام بن حسان ، عن محمّد بن سيرين ، عن عمر بن الخطّاب وما كان من قصة نصر بن حجّاج وأنا ذاكر الحديث بطوله ، وذكر ما آلت إليه حال نصر بن حجّاج في موضعه إن شاء الله تعالى ، ألا ترى إلى فراسة عمر ما أوضحها ، وإلى ظنّه ما أصدقه ، وإلى قبيح ما ارتكبه نصر ما أفظعه.
أنبأنا أبو الفضل محمّد بن ناصر ، وأبو منصور موهوب بن أحمد بن محمّد ، قالا :
__________________
(١) الأصل وم : الأمر ، والمثبت عن «ز».
(٢) سقطت من الأصل وم ، واستدركت عن «ز».
(٣) كذا بالأصل وم و «ز» : مجالد بن الحسين ، وفي «ز» هنا : مخلد. وهو ما أثبتناه ، راجع ترجمته في تهذيب الكمال ١٧ / ٤٩٠ طبعة دار الفكر.