خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق ومن أوفى بعهده مني وكانت القوس فيها سهم ووتر فلما فرغ الله من هذا القول إلى نوح نزع السهم والوتر من القوس وجعلها أمانا لعباده وبلاده من الغرق.
قال : وحدّثنا إسماعيل ، عن إسحاق ، أخبرني أبو العباس عن وهب بن منبّه قال :
لما نضب الماء ونبت الشجر ، وخرج أهل السفينة وتفرقوا في أعمالهم جاء إبليس إلى نوح فقال له : إنّ لي عندك يدا عظيمة فسلني عما شئت ، واستنصحني ، فو الله لا أخونك ، ولا أغشك ، ولا أكذبك ، فعلم (١) نوح بكلامه ومسائله ، فأوحى الله إليه : أن كلّمه وسله ، فإني سأنطقه بحجة عليه ، وموعظة لك.
قال نوح : أي عدو الله ، أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك ولجنودك على ضلالتهم وهلاكهم؟ قال له إبليس : نعم الخبير سألت إنا إذا وجدنا ابن آدم شحيحا حريصا حسودا جبارا عجولا تلقفناه تلقف الأكرة (٢) فإذا اجتمعت لنا فيه هذه الأخلاق سميناه فينا شيطانا مريدا ، لأن هذه الأخلاق رءوس أخلاق الشياطين ، وسأخبرك عن هذه الأخلاق بما تعرف : ألم تعلم أن الله أسكن أباك آدم الجنّة ، ثم فوضها إليه بجميع ما فيها ، وحرم عليه فيها شجرة واحدة ، فحمله الحرص على أن تناولها ، فخرج بالحرص من جميع الجنّة؟
أولم تعلم أن الله عرضني بالسجود لآدم ، فأدركني الحسد والبغي فخرجت بالحسد والبغي ، من ملكوت السموات وصرت بذلك شيطانا لعينا؟
أولم تعلم أن قابيل بن آدم شحّ بأخته رغبة عن سنة أبيه ، فحمله الشحّ بها على أن قتل أخاه فصيره الشح إلى القتل ، والعقول إلى النار؟
أولم تعلم أنه هلك من هلك من قومك بالتكبر والتجبر عليك ، وصاروا بذلك إلى النار؟
أولم تعلم أن العجلة والحدة حملك على أن دعوت الله على ابنك ، فغيّرت (٣) .. دعوتك ألوان ولدك وأولاد ولدك من بعده ، وورثتهم الذل والهلكة إلى يوم القيامة ، ولم يكن ذنبه إليك بقدر ذلك ، إن ضحك مما ضحك منه؟
__________________
(١) كذا بالأصل م ، وفي «ز» : فتم ، وفي المختصر : فتأثم.
(٢) الأكرة لعبة في الكرة (تاج العروس).
(٣) كلمة غير مقروءة بين «فغيرت» و «دعوتك» وليست في م و «ز».