وحدّثني أبو عثمان أحمد بن محمّد الأسدي ، عن محمّد بن عبد الله ، عن مؤرج (١) قال : أراد ابن أبي عتيق الحج ، فلقي نصيبا ، فقال : هل توصي إلى سعدى بشيء؟ قال : نعم ، ببيتين قال : وما هما؟ قال :
أتصبر على سعدى وأنت صبور |
|
وأنت تحسن الصبر منك جدير |
وكدت ولم أخلق من الطير إن بدى |
|
سنا بارق نحو الحجاز أطير |
قال : فخرج ابن أبي عتيق فوجد سعدى في مجلس لها ، فقال لها : يا سعدى معي إليك رسالة ، قالت (٢) : وما هي؟ هاتها يا ابن الصّدّيق ، فأنشدها البيتين ، فتنفّست نفسا شديدا ، فقال ابن أبي عتيق : أوّه ، أجبته ـ والله ـ بأحسن من بيتيه ، وعتق ما ملك أن لو سمعها لنعق وطار.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن سليمان ، نا الزّبير بن بكّار ، حدّثني عبد الله بن عثمان النحوي (٣) ، عن أنيس بن ربيعة الأسلمي أنه قال (٤) :
غدوت يوما إلى أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ، وهو محتلّ بالدجلة (٥) ، فألفيت عنده جماعة منا ومن غيرنا ، فأتاه آت ، فقال له ذاك النصيب منذ ثلاث بالفرش (٦) يتلدّد (٧) كأنه واله في أثر قوم ظاعنين ، فنهض ، ونهضنا معه ، حتى نحده على المنحر من صفر (٨) ، فلما عايننا وعرف أبا عبيدة هبط ، وسأله أبو عبيدة عن أمره وخبره ، فأخبره أنه يتبع قوما سائرين ، وأنه وجد آثارهم ومحالهم بالفرش فاستهوله ذلك ، وضحك أبو عبيدة والقوم وقالوا : إنّما تهتز إذا عشق من انتسب عذريا (٩) فأما أنت فما لك ولهذا نسب ، وسأله أبو عبيدة : هل قلت في مقامك شيئا؟ قال : نعم ، فأنشده :
لعمري لئن أمسيت بالفرش مقصدا |
|
ثوباك عبّود (١٠) وعدنة أو صفر |
__________________
(١) بالأصل وم : سرح ، والمثبت عن «ز».
(٢) الأصل : قال : والمثبت عن «ز» ، وم.
(٣) الأغاني : عبد الله بن عمر بن عثمان النحوي.
(٤) الخبر والشعر في الأغاني ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.
(٥) في الأغاني : بالرحبة.
(٦) الفرش : واد بين غميس والحمام وملل.
(٧) الأصل وم : يتلذذ ، والمثبت عن «ز» ، وفي الأغاني : متلدد. وتلدد : تلفت يمينا وشمالا وتحير متبلدا.
(٨) صقر : جبل أحمر من جبال ملل قرب المدينة.
(٩) الأصل وم و «ز» : يمانيا ، والمثبت عن الأغاني.
(١٠) بالأصل وم و «ز» : عمود ، والمثبت عن الأغاني. وفي معجم البلدان : عبود : جبل بين السيالة وملل ... وقيل إنه البريد من مكة في طريق بدر.