أناخ قريبا من الخيمة ، فإذا هو النّصيب ، ثم ثنى رجله عن راحلته فنزل ، ثم أقبل فسلّم عليّ وجلس منها ناحية وسلم عليها ، وساءلها وساءلته ، فاخفنا ثم إنها سألته أن ينشدها ما أحدث من الشعر بعدها ، فجعل ينشدها ، فقلت في نفسي : عاشقان أطالا التنائي ، لا بدّ أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة ، فقمت إلى راحلتي أشدّ عليها ، فقال لي : على رسلك ، أنا معك ، فجلست حتى نهض ونهضت معه ، فتسايرنا ساعة ثم التف إليّ فقال : قلت في نفسك : محبان التقيا بعد طول تنائي (١) ، لا بدّ أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة ، فقلت : نعم ، قد كان ذاك ، قال : فلا وربّ هذه البنيّة التي إليها يعمل ما جلست منها مجلسا قط أقرب من مجلسي الذي رأيت ، ولا كان بيننا مكروه قط.
أنبأنا أبو غالب بن البنّا وغيره ، عن أبي إسحاق البرمكي ، نا أبو عمر محمّد بن العباس ابن حيوية ، نا (٢) الحرمي (٣) بن أبي العلاء (٤) ، نا الزبير بن بكّار قال : وحدّثني إبراهيم بن عبد الله (٥) السعدي ، عن جدته جمال بنت عون بن مسلم عن جدها مسلم السعدي قال :
رأيت رجلا أسود معه امرأة بيضاء ، فوقفت أتعجب من شدة سواده وشدة بياضها ، فقلت له : من أنت؟ فقال : أنا الذي أقول :
أيا ليت شعري ما الذي تجدين (٦) لي |
|
غدا غربة النأي المفرق والبعد |
مري أم بكر حين تقترب النوى |
|
بنا تمّ يخلو الكاشحون بها بعدي |
أتصرمني عند الألى هم [لنا](٧) العدا |
|
فتشمتهم بي أم تقيم على العهد |
فقالت : لا ، بل تدوم على العهد ، فسألت عنه فقيل لي : هذا النّصيب ، وسألت عنها فقيل لي : عشيقته أم بكر.
قال : وحدّثني الحرمي (٨) ابن أبي العلاء واسمه أحمد ، حدّثنا الزبير بن بكّار قال :
__________________
(١) كذا بالأصل وم و «ز» : تنائي.
(٢) أقحم بعدها بالأصل وم.
(٣) بالأصل وم و «ز» : الجرمي ، وفوقها في «ز» ضبة.
(٤) من طريقه الخبر والشعر في الأغاني ١ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.
(٥) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي الأغاني : إبراهيم بن يزيد السعدي.
(٦) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي الأغاني : تحدثين بي.
(٧) سقطت من الأصل وم و «ز» ، واستدرك لتقويم الوزن عن الأغاني.
(٨) بالأصل وم : الجرمي ، والمثبت عن «ز». والخبر والشعر في الأغاني ١ / ٣٦٤.