فقمت إلى بعيري لأشدّ عليه فقال : على رسلك ، إنّي معك ، فجلست حتى نهض معي ، فتسايرنا ثم التفت إليّ فقال : أقلت في نفسك محبّان التقيا بعد طول التنائي ، فلا بدّ أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة؟ قلت : نعم ، قد كان ذلك ، قال : وربّ هذه البنية ، ما جلست منها مجلسا أقرب من هذا.
أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت أحمد بن الفرج في كتابها ، قالت : أخبرنا جعفر بن أحمد بن الحسين السراج ، أنا أبو طالب أحمد بن علي السواق (١) ، وحدّثنا محمّد بن أحمد ابن فارس ، نا عبد الله بن إبراهيم الزينبي ، نا محمّد بن خلف الهولي (٢) ، نا عبد الله بن عمر ، وأحمد بن حرب ، قالا : حدّثنا عثمان ـ هو ابن أبي بكر ـ حدّثني محمّد بن المؤمّل بن طالوت المرادي ، حدّثني أبي ، عن الضّحّاك بن (٣) عثمان الحزامي (٤) قال : خرجت في آخر الحج فنزلت بخيمة بالأبواء على امرأة ، فأعجبني ما رأيت من حسنها ، فتمثّلت قول نصيب :
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب |
|
وقل إن تملّينا فما ملّك القلب |
وقل في تجنّيها لك الذنب إنّما |
|
عتابك إن عاتبت فما له عتب |
خليليّ من كعب ألمّا هديتما |
|
بزينب لا يفقدكما أبدا كعب |
وقولا لها ما في البعاد لذي الهوى |
|
بعاد (٥) وما فيه لصدع الهوى شعب |
فمن شاء رام الصرم أو قال ظالما |
|
لصاحبه ذنب ، وليس له ذنب |
قال : فلما سمعتني أتمثل بالأبيات قالت : يا فتى ، أتعرف قائل هذا الشعر؟ قلت : نعم ، ذاك نصيب ، قالت (٦) : نعم ، هو ذلك ، فتعرف زينبه؟ قلت : لا ، قالت : أنا والله زينبه ، قلت : فحيّاك الله ، قالت : أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين ، خرج إليه عام أول ، ووعدني هذا اليوم ، ولعلك لا تبرح حين تراه ، قال : فما برحت حتى أنّي براكب يزول (٧) مع السراب ، فقالت : ترى حيث ذاك الراكب؟ إنّي لأحسبه إيّاه ، قال : فأقبل الراكب يؤمنا حتى
__________________
(١) الأصل : «السرا» وفي م : «السراق» والمثبت عن «ز».
(٢) من هنا .. إلى طالوت سقط من «ز».
(٣) تحرفت بالأصل وم إلى : عن.
(٤) تحرفت بالأصل إلى : الحراني وفي م : «الحرا؟؟؟ ى» والمثبت عن «ز».
(٥) البعاد بالضم ، عن سيبويه ، لغته في البعيد ؛ والبعاد بالكسر : المباعدة يقال : باعده مباعدة وبعاد : باعد الله ما بينهما (تاج العروس : بعد).
(٦) بالأصل : قلت ، والمثبت عن «ز» ، وم.
(٧) بالأصل وم و «ز» : يؤول ، والمثبت عن المختصر.