اللطف الإلٰهي في ربوع الأرض ، وتتجدّد رسالة الله سبحانه للإنسان فيخاطبه بالكلمة الحق ، ويبلّغه بدعوة الهدى ، وشاء الله أن يولد النور في رحاب مكّة ويشعّ الوحي في سمائها المقدّس ويتعالى صوت التوحيد في الحرم الأمن.
قوله عليهالسلام : «وَالْجَهٰالَةِ الْغٰالِبَةِ» أي أنّ الجهل والاُميّة والخرافة كانت تسيطر على قبائل العرب المتناثرة في جزيرتها الموحّشة الجرداء.
قوله عليهالسلام : «وَالْجَفْوَةِ الْجٰافِيَةِ» أي مبالغةً في الغلظة والشدّة فكانت قلوبهم في الجاهليّة قاسية ، ونفوسهم شقيّة ، والقتل وسفك الدماء بينهم مستمرّة وكان الأب إذا وَلدَت امرأته بنتاً ، سيطر عليه الهم والخزن ، وشَعَر بالخوف من العار وسوء السمعة. ولجأ إلى قتلها أو دفنها حيّة ، فكانت المرأة ضحيّة هذه العقليّة المتخلّفة ، والأعراف الإجتماعيّة البالية ، حتّى بلغت الجريمة والقساوة والوحشيّة بأولئك القساة الجناة أن يدفنوا بناتهم وهنّ أحياء للتخلّص من الإنفاق عليهنّ ، ومن العار والشنار الذي يخشون وقوعه من المرأة ويسجّل القرآن تلك المشاهد المأسويّة في تاريخ المرأة المنكوبة وينتصر لها ويدافع عن إنسانيّتها المعذّبة ، فينادي في مجتمع العرب آنذاك مستنكراً أعرافهم ومواقفهم بقوله : «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» (١) ثم يرفع صوته مرة اُخرى مدافعاً عن إنسانيّة المرأة وكرامتها ويقول : «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ» (٢).
وهكذا يحدّث لنا الأحاديث ما سجّل تلك المواقف المخزية بحق
__________________
١ ـ النحل : ٥٨ ـ ٥٩.
٢ ـ التكوير : ٨ ـ ٩.