(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
ثُمَّ إِنَّ اللهَ سُبْحٰانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ بِالْحَقِّ حِينَ دَنٰا مِنَ الدُّنْيَا الْإِنْقِطٰاعُ ، وَأَقْبَلَ مِنَ الْاٰخِرَةِ الْإِطِّلٰاعُ ، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهٰا بَعْدَ إِشْرٰاقٍ ، وَقٰامَتْ بِأَهْلِهٰا عَلىٰ سٰاقٍ ، وَخَشُنَ مِنْهٰا مِهٰادٌ ، وَأَزِفَ مِنْهٰا قِيٰادٌ. فِى انْقِطٰاعٍ مِنْ مُدَّتِهٰا ، وَاقْتِرٰابٍ مِنْ أَشْرٰاطِهٰا ، وَتَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهٰا ، وَانْفِصٰامٍ مِنْ حَلْقَتِهٰا ، وَانْتِشٰارٍ مِنْ سَبَبِهٰا ، وَعَفٰاءٍ مِنْ أَعْلٰامِهٰا ، وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرٰاتِهٰا ، وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهٰا. جَعَلَهُ اللهُ سُبْحٰانَهُ بَلٰاغًا لِرِسٰالَتِهِ ، وَكَرٰامَةً لِأُمَّتِهِ ، وَرَبِيعًا لِأَهْلِ زَمٰانِهِ ، وَرِفْعَةً لِأَعْوٰانِهِ ، وَشَرَفًا لِأَنْصٰارِهِ.
قوله عليهالسلام : «ثُمَّ إِنَّ اللهَ سُبْحٰانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ بِالْحَقِّ حِينَ دَنٰا مِنَ الدُّنْيَا الْإِنْقِطٰاعُ» أي قرب زمان إنقطاع الدنيا كما في قوله عليهالسلام في الخطبة الثامنة والعشرين : «أما بعد فإنّ الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع» وقد إختلف الناس في مدّة عمر الدنيا ، إختلافاً شديداً ، فذهب قوم إلى أنّ عمر الدنيا خمسون ألف سنة ، قد ذهب بعضها ، وبقي بعضها واحتجّوا بقوله تعالى : «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» (٢) لأنّ اليوم إشارة إلى الدنيا ، وفيها يكون عروج الملائكة والروح إليه ، وذكر إبن أبي الحديد نقلاً عن حمزة بن الحسن الإصفهاني في كتابه المسمّىٰ «تواريخ الأُمم» أنّ اليهود تذهب إلى أنّ عدد السنين من إبتداء التناسل إلى سنة الهجرة لمحمّد صلىاللهعليهوآله أربعة آلاف واثنتان وأربعون سنة وثلاثة أشهر.
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ٣١٤ ـ ٣١٥ ، الخطبة ١٩٨.
٢ ـ المعارج : ٤.