(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيٰا وَصَغَّرَهٰا ، وَأَهْوَنَ بِهٰا وَهَوَّنَهٰا ، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ زَوٰاهٰ عَنْهُ اخْتِيٰاراً ، وَبَسَطَهٰا لِغَيْرِهِ احْتِقٰارًا. فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيٰا بِقَلْبِهِ ، وَأَمٰاتَ ذِكْرَهٰا عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهٰا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلٰا يَتَّخِذَ مِنْهٰا رِيٰاشًا ، أَوْ يَرْجُوَ فِيهٰا مُقٰامًا ، بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِرًا ، ونَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِرًا ، وَدَعٰا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً ، وَخَوَّفَ مِنْ النّارِ مُحَذَّرِاً.
قوله عليهالسلام : «قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيٰا وَصَغَّرَهٰا» أي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله جعل الدنيا حقيرة وصغيرة ولذلك كان صلىاللهعليهوآله يبتعد عنها وعن لذّاتها ويصبر على محنتها ومصائبها وجوعها وغير ذلك.
وفي الحديث قال أمير المؤمنين عليهالسلام : الدنيا دار من لا دار لها ، ولها يجمع من لا عقل له ، وعليها يعادي من لا علم له ، وعليها يحسد من لا فقه له ، ولها يسعي من لا يقين له (٢).
وأخرجه إبن سعد في حديث : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : مالي وللدينا ، وما أنا والدنيا؟ ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها (٣).
قوله عليهالسلام : «وَأَهْوَنَ بِهٰا وَهَوَّنَهٰا» أي جعلها صلىاللهعليهوآله هيّنة ذليلة في نظره.
وفي الحديث : أترون هذه السخلة هانت على أهلها حين ألقوها؟ فو الذي نفس محمّد بيده الدنيا أهون على الله من هذه السخلة
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ١٦٢ ، الخطبة ١٠٩.
٢ ـ إحياء العلوم : ج ٣ ، ص ٢١٧ ، وأخرجه الكليني شطراً من الحديث في الكافي : ج ٨ ، ص ٢٧٤ ، ح ٨.
٣ ـ الطبقات الكبرىٰ : ج ١ ، ص ٣٦١ ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٣٨.