(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
وَلَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ لَمّٰا أَتٰاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقٰالُوا لَهُ : يٰا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيمًا لَمْ يَدَّعِهِ اٰبٰاؤُكَ وَلٰا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ ، وَنَحْنُ نَسأَلُكَ أَمْرًا إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنٰا إِلَيْهِ وَأَرَيْتَنٰاهُ عَلِمْنٰا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ ، وَإِنْ لَمْ تفْعَلْ عَلِمْنٰا أَنَّكَ سٰاحِرٌ كَذّٰابٌ. فَقٰالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ : وَمٰا تَسْأَلُونَ؟ قٰالُوا : تَدْعُوا لَنٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ حَتّٰى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهٰا وَتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَقٰالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ : إِنَّ اللهَ عَلىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ، فَإِنْ فَعَلَ اللهُ لَكُمْ ذٰلِكَ أَتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ. قٰالُوا : نَعَمْ. قٰالَ : فَإِنِّى سَأُرِيكُمْ مٰا تَطْلُبُونَ ، وَإِنِّى لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لٰا تَفِيؤُنَ إِلىٰ خَيْرٍ ، وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِى الْقَلِيبِ ، وَمَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزٰابَ. ثُمَّ قٰالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ : يٰا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْاٰخِرِ وَتَعْلَمِينَ أَنِّى رَسُولُ اللهِ فَانْقَلِعِى بِعُرُوقِكِ حَتّىٰ تَقِفِى بَيْنَ يَدَىَّ بِإِذْنِ اللهِ! فَوَ الَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهٰا وَجٰاءَتْ وَلَهٰا دَوِىٌّ شَدِيدٌ وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ ، حَتّىٰ وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ مُرَفْرِفَةً ، وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلىٰ عَلىٰ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ ، وَبِبَعْضِ أَغْصٰانِهٰا عَلىٰ مَنْكِبِى ، وَكُنْتُ عَنْ يَميِينِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ. فَلَمّٰا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلىٰٰ ذٰلِكَ قٰالُوا عُلُوٍّا واسْتِكْبٰارًا : فَمُرْهٰا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهٰا وَيَبْقىٰ نِصْفُهٰا. فَأَمَرَهٰا بِذٰلِكَ ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهٰا كَأَعْجَبِ إِقْبٰالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيًّا ، فَكٰادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ. فَقٰالُوا كُفْرًا وَعُتُوًّا : فَمُرْ هٰذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلىٰ نِصْفِهِ كَمٰا كٰانَ. فَأَمَرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَاٰلِهِ فَرَجَعَ. فقُلْتُ أَنَاَ : لٰا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ ، إِنِّى أَوَّلُ مُؤْمِنٍ
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الخطبة ١٩٢.