(وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلٰامُ) (١)
مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ ، وَمَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ ، فِى مَعٰادِنِ الْكَرٰامَةِ ، وَمَمٰاهِدِ السَّلٰامَةِ ، قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرٰارِ ، وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصٰارِ. دَفَنَ اللهُ بِهِ الضَّغٰائِنَ ، وَأَطْفَأَ بِهِ الثَّوٰائِرَ. أَلَّفَ بِهِ إِخْوٰنًا ، وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرٰانًا ، أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ ، وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ. كَلٰامُهُ بَيٰانٌ ، وَصَمْتُهُ لِسٰانٌ.
قوله عليهالسلام : «مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ ، وَمَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ» الظاهر أنّ المراد من المستقر والمنبت : الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة.
أو أن يكون المراد من الأوّل : المدينة المنورّة ، وقد سماّها النبيّ صلىاللهعليهوآله الطيّبة كما جاء في الخبر ، وأنّها تنفي الخبث كما تنفي النّار خبث الفضّة (٢).
ومن الثاني مكة المكّرمة لكونها أمّ القرى ، ومقصد خلق الله ، ومحل كعبته ، وقد قال الله تعالى : «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا» (٣).
قوله عليهالسلام : «فِى مَعٰادِنِ الْكَرٰامَةِ» وهي جمع معدن ، والمراد منه أي الرّسالة ، أو ما هو أعمّ منها ومن غيرها.
قوله عليهالسلام : «وَمَمٰاهِدِ السَّلٰامَةِ» والمماهد ، جمع ممهد كمقعد اسم مكان : ما يُمْهد ، أي يبسط فيه الفراش ونحوه المتّصفة بالخلوّ من الأدناس والأرجاس والبراءة من العيوب الظاهرة والباطنة.
قال إبن ميثم البحراني : وهي كناية من مكّة والمدينة وما حولها ، فإنّها
__________________
١ ـ نهج البلاغة : ص ١٤١ ، الخطبة ٩٦.
٢ ـ صحيح مسلم : ج ٢ ، ص ١٠٠٦ ، ح ٤٩٠.
٣ ـ آل عمران : ٩٦ ـ ٩٧.