منعة من قومه ومن عمه ، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد (١) عنده ، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه. فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها ، فنزلنا بخير دار إلى خير جار ، أمنّا على ديننا ، ولم نخش ظلما. فلما رأت قريش أنّا قد أصبنا دارا وأمنا ، اجتمعوا (٢) على أن يبعثوا إليه فينا ، ليخرجونا من بلاده ، وليردنا عليهم. فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ، فجمعوا له هدايا ولبطارقته ، فلم يدعوا منهم رجلا إلّا بعثوا (٣) له هدية على حدة ، وقالوا لهما : ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم ، ثم ادفعوا إليه هداياه ، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا. فقدما علينا ، فلم يبق بطريق من بطارقته إلّا قدّموا إليه هديته ، فكلموه ، فقالوا له : إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا ، فارقوا أقوامهم في دينهم ، ولم يدخلوا في دينكم فبعثنا قومهم ليردهم الملك عليهم ، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل ، فقالوا : نفعل. ثم قدّموا (٤) إلى النجاشي هداياه ، فكان من أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم. فلما أدخلوا عليه هداياه فقالوا له : أيها الملك إن فتية منا سفهاء ، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه ، وقد لجئوا إلى بلادك فبعثنا إليك فيهم عشائرهم ، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم ، فهم أعلى بهم (٥) عينا. فقالت بطارقته : صدقوا أيها الملك ، لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم ، فإنهم لم يدخلوا في دينك فيمنعهم أملك (٦). فغضب ، ثم قال : لا لعمر الله ، لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم ، قوم لجئوا إلى بلادي ، واختاروا جواري على جوار غيري ، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ، ولم أدخل بينهم وبينهم ، ولم أنعمهم عينا. فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم ، ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم ،
__________________
(١) في مختصر ابن منظور : أحدا ، والمثبت عن سيرة ابن إسحاق.
(٢) في سيرة ابن إسحاق : أجمعوا.
(٣) في سيرة ابن إسحاق : هيئوا له هدية على ذية حدة.
(٤) سيرة ابن إسحاق : قدما.
(٥) أعلى بهم عينا أي أبصر بهم وأعلم بحالهم.
(٦) سيرة ابن إسحاق : فتمنعهم بذلك ، فغضب.