لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
قال ابن إسحاق (١) : فهو أول من عقر في الإسلام وهو يقول :
يا حبّذا الجنّة واقترابها |
|
طيّبة وبارد شرابها |
والروم روم قد دنا عذابها |
|
عليّ إن لاقيتها ضرابها |
فلما قتل أخذ الراية عبد الله بن رواحة.
وعن سعيد بن المسيب (٢) قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم :
«مثّلوا لي في الجنة في خيمة من درّة (٣) ، كل واحد منهم على سريره ، فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا ، وأما جعفر فهو مستقيم ليس فيه صدود ، قال : فسألت ، أو قال : قيل لي : إنهما حين غشيهما الموت ، كأنهما أعرضا ، أو كأنهما صدّا بوجوههما. وأما جعفر فإنه لم يفعل» [١٤١٣٠].
قال ابن عيينة : فذلك حين يقول ابن رواحة (٤) :
أقسمت يا نفس لتنزلنّه |
|
بطاعة منك لتكرهنّه (٥) |
فطالما قد كنت مطمئنه |
|
جعفر ما أطيب ريح الجنّة |
ولما (٦) أخذ جعفر بن أبي طالب الراية ، جاءه الشيطان فمنّاه الحياة والدنيا (٧) ، وكرّه الموت فقال : الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا؟ ثم مضى قدما حتى استشهد. فصلى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودعا له ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «استغفروا
__________________
(١) الخبر والشعر من طريقه في تهذيب الكمال ٣ / ٤٠٩ وسير الأعلام ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠ ودلائل النبوة للبيهقي ٤ / ٣٦٣ وسيرة ابن هشام ٣ / ٣٢٧.
(٢) رواه ابن عبد البر في الاستيعاب ١ / ٢١٢ هامش الإصابة عن طريق عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن ابن المسيب ، فذكره.
(٣) الاستيعاب : درّ.
(٤) الرجز في دلائل النبوة للبيهقي ٤ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤ وسيرة ابن هشام ٤ / ٢١.
(٥) في سيرة ابن هشام : لتنزلن أو لتكرهنه.
(٦) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ١ / ٣٧ من طريق محمد بن عمر بسنده إلى عبد الله بن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم ودلائل النبوة للبيهقي ٤ / ٣٦٩.
(٧) في ابن سعد : الحياة الدنيا.