وقال جعفر بن يحيى البرمكي لهارون الرشيد : يا أمير المؤمنين ، قال لي أبي يحيى (١) :
إذا أقبلت الدنيا عليك فأعط ، فإنها لا تفنى (٢) ، وإذا أدبرت عنك فأعط ، فإنها لا تبقى.
قال جعفر : وأنشدنا أبي (٣) :
لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة |
|
فليس ينقصها التبذير والسرف |
فإن تولّت فأحرى أن تجود بها |
|
فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف |
ولما (٤) ثارت العصبية بالشام في سنة ثمانين ومائة وتفاقم أمرها اغتم الرشيد فعقد لجعفر ابن يحيى على الشام ، وقال له : إما أن تخرج أو أخرج أنا ، فقال له جعفر : بل أقبل (٥) بنفسي ، فشخص في جلّة القواد والكراع والسلاح ، فأتاهم فأصلح بينهم ، وقتل زواقيلهم (٦) والمتلصصة منهم ، ولم يدع بها رمحا ولا قوسا (٧) ، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة ، وأطفأ النّائرة (٨).
[فقال (٩) منصور النمري لما شخص جعفر :
لقد أوقدت بالشام نيران فتنة |
|
فهذا أوان الشام تخمد نارها |
إذا جاش موج البحر من آل برمك |
|
عليها ، خبت شهبانها وشرارها |
رماها أمير المؤمنين لجعفر |
|
وفيه تلاقى صدعها وانجبارها |
__________________
(١) الخبر في البداية والنهاية ٧ / ١٨٨.
(٢) في البداية والنهاية : لا تغني.
(٣) البيتان في البداية والنهاية ٧ / ١٨٨.
(٤) الخبر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ١٨٧ نقلا عن ابن عساكر ، والخبر رواه ابن عساكر نقلا عن تاريخ الطبري ٤ / ٦٤٢ حوادث سنة ١٨٠.
(٥) في تاريخ الطبري : بل أقيك بنفسي.
(٦) الزواقيل : اللصوص (القاموس المحيط : زقل).
(٧) في تاريخ الطبري : فرسا.
(٨) النائرة : الحقد والعداوة. (اللسان).
(٩) الذي في البداية والنهاية ٧ / ١٨٧ وقيلت في ذلك أشعار حسان ، قد ذكرها ابن عساكر في ترجمة جعفر من تاريخه ، وذكر ابن كثير منها أربعة أبيات ، ثم قال : وهي قصيدة طويلة اقتصرنا منها على هذا القدر.
ونحن نستدرك القصيدة عن تاريخ الطبري ٤ / ٦٤٢ ـ ٦٤٣ تأكيدا لكلام ابن كثير أن ابن عساكر أوردها في ترجمة يحيى.