اجتمعوا عنده قال : تدرون فيما بعثت إليكم؟ قالوا : لا ، إلا أن يخبرنا الملك. فبينا هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران ، فازداد غمّا إلى غمه ، ثم أخبرهم ما رأى وما هاله. فقال الموبذان : وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة رؤيا. ثم قصّ عليه رؤياه في الإبل. فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال : حدث يكون في ناحية العرب ـ وكان أعلمهم في أنفسهم ـ فكتب عند ذلك :
من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر. أما بعد ، فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه.
فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني ، فلما ورد عليه قال له : ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال : ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب. فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه. فأخبره بالذي وجه إليه فيه. قال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح. قال : فأته. اسأله عما سألتك عنه. ثم أنبئني بتفسيره. فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح ، وقد أشفى على الضريح ، فسلم عليه ثم كلمه ، فلم يرد عليه جوابا. فأنشأ يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن |
|
أم فاز فاز لم به شأو العنن؟ |
يا فاضل الخطة أعيت من ومن |
|
أتاك شيخ الحي من آل سنن |
وأمه من آل ذئب بن حجن |
|
أزرق بهم الناب صرار الأذن |
أبيض فضفاض الرداء والبدن |
|
رسول قيل العجم يسري للوسن |
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن |
|
تجوب به الأرض علنداة شجن (١) |
ترفع بي وجنا وتهوي بي وجن (٢) |
|
حتى أتى عاري الجآجي والقطن (٣) |
تلفه في الرمح بوغاء الدمن (٤) |
|
كأنما حثحث من جفني ثكن (٥) |
قال : فلما سمع سطيح شعره ، رفع رأسه ، يقول : عبد المسيح على جمل مسيح. إلى
__________________
(١) علنداة : الناقة الطويلة العظيمة ، والشجن : المتداخلة الخلق ، كأنها شجرة متصلة الأغصان.
(٢) الوجن : الأرض الغليظة الصلبة.
(٣) القطن : جمع قطنة وهي ما بين الفخذين.
(٤) البوغاء : التراب الناعم.
(٥) في دلائل النبوة للبيهقي : حضني ثكن.