النظر الشديد لا يدخلون بطونهم إلّا ما يعرفون من الحلال وإلّا استفّوا التراب ، ثم عدّ بشر : إبراهيم ابن أدهم ، وسليمان الخوّاص ، وعلي بن فضيل بن عياض ، وأبا معاوية الأسود ، ويوسف بن أسباط ، ووهيب بن الورد ، وحذيفة شيخ من أهل حران ، وداود الطائي ، فعد بشر عشرة ، كانوا لا يدخلون بطونهم إلّا ما يعرفون من الحلال وإلّا استفّوا التراب.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنا أبو نعيم الحافظ (١) ، ثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، نا جعفر بن محمد بن فضيل (٢) ، نا الفريابي قال : كنت في مجلس فيه الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وسليمان الخوّاص ، فذكر الأوزاعي الزّهّاد فقال الأوزاعي : ما نريد أن نرى في دهرنا مثل هؤلاء ، فقال سعيد بن عبد العزيز : سليمان الخوّاص ما رأيت أزهد منه ، وكان سليمان في المجلس ولا يعلم سعيد ، فرفع سليمان رأسه وقام ، فأقبل الأوزاعي على سعيد ، فقال : ويحك لا تعقل (٣) ما يخرج من رأسك ، تؤذي جليسنا؟ تزكيه في وجهه؟
أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنا أبو عثمان البحيري ، أنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أنا أبو عبد الله محمد بن المسيّب الأرغياني (٤) ، أنا عبد الله بن خبيق (٥) الأنطاكي ، أنا أبو سهل الدمشقي ، عن سعيد بن عبد العزيز قال :
دخلت على سليمان الخوّاص فرأيته جالسا في الظلمة وحده ، فقلت له : ما لي أراك جالسا في الظلمة وحدك؟ قال : ظلمة القبر أشدّ يا سعيد ، فقلت : ألا تطلب لك رفيقا؟ فقال : أكره أن أطلب رفيقا فلا أقوم بحقّه الذي يجب له عليّ ، قلت له : هذا مال صحيح قد أصبته وأنا لك به يوم القيامة ، خذه تنفق منه على نفسك وتستر به عورتك ، فقال : يا سعيد إنّ نفسي لم تجبني إلى ما رأيت حتى خشيت أن لا تفعل ، فإن أخذت مالك هذا ثم نفد فمن لي بمثله صحيح ، فتركته ، ثم عدت إليه من الغد ، فقلت له : رحمك الله إنه بلغني في الحديث أن
__________________
(١) رواه أبو نعيم الحافظ في الحلية ٨ / ٢٧٦.
(٢) قوله : «نا جعفر بن محمد بن فضيل» ليس في حلية الأولياء.
(٣) إعجامها مضطرب بالأصل ، والمثبت عن الحلية.
(٤) بالأصل : الأرغيناني ، تصحيف ، والصواب ما أثبت ، وهو محمد بن المسيب بن إسحاق بن عبد الله ، أبو عبد الله النيسابوري الأرغياني ، ترجمته في سير الأعلام ١٤ / ٤٢٢.
(٥) بالأصل : حبيق ، تصحيف.