يقرئ القرآن ، فلما قرئ عليه قال لي : تقدم فاقرأ ، فجهد أن أقرأ الفاتحة ، فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني ، فقال : يا بني ، ألك والدة؟ قلت : نعم ، قال : قل لها تدعو لك يرزقك الله قراءة القرآن ومعرفة العلم. قلت : نعم ، ثم رجعت إلى والدتي ، فسألتها الدعاء ، ففعلت ، ثم إني كبرت واشتهيت العربية ، فدخلت بغداد ، وقرأت بها العربية ، وتفقهت. ثم عدت إلى الري ، فبينا أنا يوما في الجامع وقد كتبت مختصر المزني ، وأنا أقابل عليه صديقا لي ، وإذا الشيخ قد حضر ، وسلم علينا وهو لا يعرفني وسمع مقابلتنا ، وهو لا يعلم ما نقول ، ثم قال : متى نتعلم مثل هذا؟ فأردت أن أقول له : إن كان لك والدة قل لا تدعو لك ، فاستحييت (١) منه ، أو كما قال.
كان سليم ببغداد في حال طلبه العلم ترد عليه كتب من الري ، فلا يقرأ شيئا منها ، ولا ينظر فيها ، ويجمعها عنده ، إلى أن فرغ من تحصيل ما أراد ، ثم فتحها فوجد في بعضها : ماتت أمك ، وفي بعضها ما يضيق له صدره. فقال : لو كنت قرأتها قطعتني عن تحصيل ما أردت ، وتفقه بعد أن] جاز الأربعين (٢).
ناولني أبو محمد طاهر بن سهل بخط أبيه سهل بن بشر ، توفي الشيخ الفقيه أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي غريقا غرق على ساحل جار (٣) وهو راجع من مكة في صفر سنة ست وأربعين وأربعمائة ، رحمهالله ، حدثني ولده ، ح ، قال :
أنا أبو محمد بن الأكفاني ورد الخبر بوفاة الفقيه أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي في طريق الحج في صفر سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، رحمهالله ، وكان قد قدم دمشق ، وحدّث بها عن جماعة ، وكذا ذكر ابنه أبو سعد إبراهيم بن سليم.
ح قرأت : بخط أبي الفرج غيث بن علي : غرق أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم الفقيه الرازي في بحر القلزم عند ساحل جدّة ، بعد عوده من الحج في صفر سنة سبع وأربعين ، وكان قد نيّف على الثمانين ، حدّثني بذلك ابنه إبراهيم ، وكان فقيها جيدا مشارا إليه
__________________
(١) انظر سير الأعلام ١٧ / ٦٤٦ والطبقات الكبرى للسبكي ٤ / ٣٩٠ ـ ٣٩١.
(٢) سير الأعلام ١٧ / ٦٤٦ نقلا عن ابن عساكر.
(٣) الجار : بتخفيف الراء ، مدينة على ساحل بحر القلزم ، بينها وبين المدينة يوم وليلة ، وبينها وبين أيلة نحو من عشر مراحل ، وإلى ساحل الجحفة نحو ثلاث مراحل (معجم البلدان).