وليس التفصّي من الضرر أحد فردَي المكره عليه ، حتّى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما ، كما لو أكرهه على أحد الأمرين (١) ، حيث يقع كلٌّ منهما حينئذٍ مكرَهاً (٢) ؛ لأنّ الفعل المتفصّى به مسقِط عن المُكرَه عليه ، لا بدلٌ له ؛ ولذا لا يجري أحكام المكره عليه إجماعاً ، فلا يفسد إذا كان عقداً.
وما ذكرناه وإن كان جارياً في التورية ، إلاّ أنّ الشارع رخّص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصّي بوجهٍ آخر ؛ لما ذكرنا من ظهور النصوص والفتاوى ، وبُعدِ حملها على صورة العجز عن التورية ، مع أنّ العجز عنها لو كان معتبراً لأُشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوّزة للحلف كاذباً عند الخوف والإكراه (٣) ، خصوصاً في قضيّة عمّار وأبويه ، حيث اكرهوا على الكفر ، فأبى أبواه فقُتلا ، وأظهر لهم عمّار ما أرادوا ، فجاء باكياً إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فنزلت الآية (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٤) فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن عادوا عليك فعد» (٥). ولم ينبّهه على التورية ، فإنّ التنبيه في المقام وإن لم يكن واجباً ، إلاّ أنّه لا شكّ في رجحانه ،
__________________
(١) في «ف» : أمرين.
(٢) في «ص» زيادة : «عليه» استدراكاً.
(٣) انظر الوسائل ١٦ : ١٣٤ و ١٤٣ ، الباب ١٢ و ١٦ من أبواب كتاب الأيمان.
(٤) النحل : ١٠٦.
(٥) مجمع البيان ٣ : ٣٨٨ ، والوسائل ١١ : ٤٧٦ ، الباب ٢٩ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٢.